قضى الوزير الفذ، والمفكر العظيم، والمؤرخ الكبير، والموسوعة العلمية، على هذا النحو، ضحية الأحقاد والأضغان، وبالرغم مما أثير حول الرجل إبان محنته من موجة عارمة بالسخط، فان هذه الموجة لم يطل أمدها، إذ كانت مغرضة عارية من ثوب الحقيقة، يدل على هذا ما رأيناه من المؤرخين القدامى، الذين انبرت أقلامهم لانصافه، واحلاله المكانة اللائقة به بين رجال التاريخ، ونخص من المؤرخين أولئك الذين قربوا من عهده؛ فابن خلدون صديقه القديم يسجل أولا أنه «هو الهالك لهذا العهد، شهيدا بسعاية أعدائه «١٤» ،» ثم يورد- فى مقام آخر- أنه «شاعر الأندلس والمغرب فى عصره» ، كما يشهد له فى ميدان الشعر والنثر بقوله:«وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره، مع انتقاء الجيد منه، وبلغ فى الشعر والترسل، حيث لا يجارى فيهما، وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بنى الأحمر، وملأ الدولة بمدايحه، وانتشرت فى الآفاق قدماه» ، ويتحدث ابن خلدون كذلك عن رسائل ابن الخطيب السلطانية بقوله: «وصدرت عنه غرائب من الترسل فى مكاتبة جيرانهم (ملوك بنى الأحمر) من ملوك العدوة» .
وحقا لقد خلف ابن الخطيب من هذه الرسائل روائع، تعد نموذجا رفيعا، لما بلغه قلم الرجل من شأو فى فن النثر الوزارى السياسى خاصة،