[قيمة الكتاب الادبية ومدى صلته بفن المقامات فى الأدب العربى]
ذكرنا أن «معيار الاختيار» قد جاء فى صورة قصة محدودة، والقصة من أدق الفنون الادبية وأصعبها تركيبا، وهى تتمتع من بين سائر فنون الادب بالذيوع والانتشار، لما تشتمل عليه من استمالة القلوب، وامتناع النفوس، فالآداب العالمية قد زخرت بهذا اللون الغنى منذ أقدم العصور، ولقد ورثنا عن العرب منذ جاهليتهم ذخيرة نفيسة من القصص، تناولها المشتغلون بالبحث والنقد درسا وتحليلا، وانقسموا حيالها الى فريقين متباينين، ولكل وجهة، فبعض المستشرقين فى دراستهم للقصة العربية يرون مع «كارادى فو» أنه «لم يسبق الادب العربى أى أدب آخر فى نوع الاقاصيص، بينما البعض الآخر يرى أن العرب- ابان حضارتهم- زودوا لغتهم بفلسفة الشعوب وعلومهم، وتجاهلوا أدب القصة تجاهلا يكاد يكون مطلقا، ومن ثم جهلوا أصول الفن القصصى، فكانت قصصهم تفقد قيمتها الفنية تبعا لذلك.
وانصافا للحق نقول: ان القصص العربى ذو ألوان مختلفة، وقد حظيت بعض هذه الالوان بعناية العرب، فراعوا فى صوغها مقومات القصة، وأسس بنائها، فجاء هذا اللون منها تحفة فنية، لها قيمتها وروعتها، والبعض الآخر من ألوان القصة العربية فقد معظم هذه الاسس، فكان مثارا للنقد، ومحلا للملاحظة.
والقصص العربى أنواع: أشهرها القصص الدينى، ومصادره التوراة والانجيل والقرآن، ثم ما جاء على ألسنة الرواة والمحدثين من أخبار الاولين وقصصهم، مزج فيها القصاص الحقيقة بالخيال، والتاريخ بالاسطورة. وكان الهدف من هذا النوع من القصص الوعظ والارشاد فى معظمه، ترغيبا فى الجنة وترهيبا من النار.