معلوماته عن البلدان، فاخترق اليه جموعا بشرية من قصاده، وخاطبه بقوله:«بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون، والجنون فنون» فأجابه الشيخ موافقا، متحفظا بأنه «لا تجود يد الا بما تجد، والله المرشد» .
وهنا يسأله الراوى عن البلاد المغربية، بادئا منها ب «بادس» ، والشيخ يجيبه بمعلوماته عنها، واحدة تلو الاخرى، حتى ينتهى منها بمدينة «غساسة» ، وعندئذ «وجب اعتناء بالرحيل واهتمام، وكل شىء الى تمام» كما قال الشيخ، فقد انفض عن السوق أهله، ولم يبق الا أن ينثر الراوى دنانيره، مكافأة طيبة لمحدثه، فيتناول منها ما تستغنى به النفس، وقبل أن يتهيأ للسير لم ينس- وهو الحكيم المجرب- أن يزود الراوى بنصح منظوم، فيه مزايا التحلى بالقناعة، والايمان بالقضاء والقدر، والتحفظ على السر وكتمانه، وتحاشى التعثر بالناس، وتقوى الله تعالى، فالقرب منه رهن بها، وليست هناك خسارة أفدح من معصية الخالق.
وأخيرا نرى الشيخ قد «ضرب جنب الحمار، واختلط فى الغمار» وبقى الراوى يتتبع أثر الشيخ، ولكنه تعزى عن فراقه بأن «كل نظم الى انتثار»
بهذا ينهى ابن الخطيب «المجلس الثانى» ، وبانتهاء «المجلس الثانى» ينتهى الكتاب نفسه.
هذا هو المنهج الذي سلكه ابن الخطيب المؤلف فى كتابه «معيار الاختيار» ، وهو منهج- كما رأينا- قصصى، دار فى فلك نوع خاص من القصة، وهذا النوع هو الذي عرف من بين فنون النثر العربى باسم «المقامة» ، متخذا من المحاورة وسيلة لتشويق القارئ والمستمع، وبخاصة فى صلب الموضوع، عند وصفه للبلاد.