أما ماذا يقصد بالمقامة عموما فهو تصوير بؤس الادباء، واحتيالهم أحيانا لكسب عيشهم، ولها راوية ينقل الخبر، وبطل تدور حوله حوادثها.
على أن هذه المقامة قد اختفت من الادب العربى بعد ناصف اليازجى اللبنانى فى كتابه:«مجمع البحرين» ، ومحمد المويلحى المصرى فى كتابه ذى الشبه الكبير بالمقامة «حديث عيسى بن هشام» ، اذ لم يعد أحد بعدئذ يلتفت الى هذا اللون الادبى من أدباء عصرنا الحاضر.
هذا، وقد كان من الطبيعى أن ينتقل فن المقامة من المشرق- منذ ظهوره- الى الاندلس، وذلك عن طريق الرحلات التى قام بها كثير من الاندلسيين الى الشرق يطلبون العلم، والذين عادوا الى موطنهم بعد أن درسوا- ضمن ما درسوا- هذا الفن، فنشروه بين مواطنيهم، وقد لوحظ أن مقامات بديع الزمان الهمذانى ورسائله- التى أشرنا اليها- قد ذاعت خصوصا فى عهد ملوك الطوائف بالاندلس، فقد قام بعض الادباء الاندلسيين يومئذ بمعارضة هذه الرسائل والسير على نمطها، ومن هؤلاء الاديب عبد الله محمد بن شرف القيروانى، الذي عارض مقامات البديع، حسبما يروى ابن بسام عن هذا الاديب المعاصر للمعتضد بن عباد بأشبيلية ٤٣٤- ٤٦١ هـ (١٠٤٢- ١٠٦٨ م) . كذلك روى ابن بسام عن الشاعر أبى المغيرة عبد الوهاب بن حزم المتوفى حوالى سنة ٤٢٠ هـ (١٠٢٩ م) أن هذا الاخير عارض رسالة للهمذانى فى وصف غلام، وفى موضع آخر من كتاب الذخيرة يورد ابن بسام أجزاء من مقامتين، إحداهما لابى حفص عمر الشهيد، والاخرى لابى محمد بن مالك القرطبى، وهذان الأديبان عاشا فى عهد المعتصم بن صمادح بمدينة المرية الاندلسية ٤٤٣- ٤٨٤ هـ (١٠٥١- ١٠٩١ م) .
ونزيد تعريفا بصلة المغرب بالمشرق حول فن المقامة، فنذكر أيضا أنه فى أوائل عهد المرابطين بالاندلس انتشرت مقامات الحريرى بالمغرب على مدى واسع، فى الوقت الذي انتشرت فيه بالشرق، واهتم علماء