حتى اذا اطمأن حلوله، وأصحب ذلوله «١١» ، وتردد الى قيم الخان- زغلوله «١٢» ، واستكبر لما جاءه- بما يهواه- رسوله، استجمع قوته واحتشد، ورفع عقيرته وأنشد:
أشكو الى الله ذهاب الشباب ... كم حسرة أورثنى واكتئاب
سد عن اللذات باب الصبا ... فزارت الاشجان من كل باب
وغربة طالت فما تنتهى ... موصولة اليوم بيوم الحساب
وشر نفس كلما هملجت «١٣» ... فى الغى لم تقبل خطام المتاب
يا رب شفع فى شيبى ولا ... تحرمنى الزلفى وحسن المآب
ثم أن، والليل قد جن، فلم يبق- فى القوم- الا من أشفق وحن، وقال- وقد هزته أريحية- (٩٩: ب) : على الدنيا سلام وتحية، فقد نلنا الاوطار، وركبنا الاخطار، وأبعدنا المطار، واخترقنا الاقطار «١٤» ، وحلبنا الاشطار «١٥» . فقال فتاه- وقد افترت عن الدر شفتاه، مستثيرا لشجونه، ومطلعا لنجوم همه من دجونه، ومدلا عليه بمجونه-:وماذا بلغ الشيخ من أمدها، ورفع من عمدها، حتى يقضى منه عجب، أو يجلى منه محتجب؟ فأخذته حمية الحفاظ لهذه الالفاظ، وقال: أى بنى، مثلى من الاقطاب، يخاطب بهذا الخطاب!! وأيم الله لقد عقدت الحلق (ولبست من الدهر الجديد والخلق)«١٦» ، وفككت الغلق، وأبعدت فى الصبوة الطلق، وخضت المنون، وصدت الضب والنون، وحذقت الفنون،