وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُرَكَّبِ فِيهِ الْعَقْلُ، يَفْهَمُ أَدْنَى شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ: زَجَرَ اللَّهُ الْمَرْءَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَنْ يَتَكَلَّمَ. أَوْ يَقُولَ: نَهَى اللَّهُ الْمَرْءَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَجَرَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ غَيْرُ مُبَاحٍ.
وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ إِنَّمَا تَكَلَّمَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ، فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا شَمَّتَ الْعَاطِسَ وَرَمَاهُ الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَحْظُورٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا بِهَذَا الْكَلَامِ.
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ إِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهِ. وَذُو الْيَدَيْنِ كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفَرْضِ، إِذْ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ قَدْ رُدَّ إِلَى الْفَرْضِ الْأَوَّلِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ. أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُسْتَيْقِنٍ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَاسْتَثْبَتَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " فَلَمَّا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ قَضَاهُمَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ بِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ أَجَابُوهُ وَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُمْ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فَهَذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمَفْرُوضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُوهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ، عَالِمِينَ مُسْتَيْقِنِينَ أَنَّهُمْ فِي نَفْسِ فَرْضِ الصَّلَاةِ. إِذِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بَيْنَ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ بِكَرَمِهِ لَهُ وَفَضْلِهِ، بِأَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَنْ يُجِيبُوهُ وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute