للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: ٢٤].

وَقَدْ قَالَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى لَمَّا دَعَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ: أَلَمْ تَسْمَعْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: ٢٤].

قَدْ خَرَّجْتُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَبَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامِهِمُ الَّذِي تَكَلَّمُوا بِهِ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَكَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا، وَبَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَرْقٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، أَمَّا كَلَامُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ كَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ، إِذْ كُلُّ مُصَلٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، يَعْلَمُ وَيَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ مِنْ صَلَاتِهِ، إِذِ الْوَحْيُ مُنْقَطِعٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَالٌ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنَ الْفَرْضِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ يَعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَرْبَعًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، إِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ [١١٤ - أ] عَالِمٌ مُسْتَيْقِنٌ بِأَنَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ قَبْلَ إِتْمَامِهِ فَرْضَ الصَّلَاةِ. وَلَمْ يَكُنْ ذُو الْيَدَيْنِ لَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَالِم وَلَا مُسْتَيْقِن بِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الصَّلَاةِ، وَلَا كَانَ عَالِمًا أَنَّ الْكَلَامَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ تِلْكَ الصَّلَاةِ قَدْ رُدَّ إِلَى الْفَرْضِ الْأَوَّلِ، إِلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ.

وَقَوْلُهُ فِي مُخَاطَبَتِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَالٌّ عَلَى هَذَا، أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ وَقَدْ بَيَّنْتُ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا تَكَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذِي الْيَدَيْنِ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تَقْصُرْ". وَأَعْلَمْتُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَنْ يُجِيبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْفَرْضُ الْيَوْمَ سَاقِطٌ، غَيْرُ جَائِزٍ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُجِيبَ أَحَدًا -وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ- بِنُطْقٍ، فَكُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ فَقَالَ لِمُصَلٍّ قَدْ سَلَّمَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>