للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "أوَلَيسَ القرآنُ من كلامِ الله؟ ".

قلت: نعم.

قال: "وكلامُ الله؟ ".

قلت: نعم.

قال: "فيكون من الله شيءٌ مَخلوق؟ " (٤٥).

فتأمَّل هذا القولَ الموجَز فإنَّه من أسَدِّ الكلام وأحسَنِهِ، فرَّق الإِمامُ أحمدُ فيه بَيْنَ كلامِ الله وكلامِ المَخلوق، بأنَّ كلامَ الله هو الذي قالَه مبتدئاً، وكلامَ المخلوق هو الذي قالَه مبتدئاً، فلمَّا كان كلامُ الله ابتدأ منه كانَ غيرَ مخلوقٍ, لأنَّه ليسَ من الله شيءٌ مخلوق، ولمَّا كانَ كلامُ المخلوقِ ابتدأ منه -بمعنى أنه هو الذي أنشَأه- كانَ مخلوقاً, لأنَّ العبدَ بأفعاله جميعاً مخلوقٌ.

التنبيه الثاني: الصَّوْتُ المسموعُ من القارئ وهو يتلو كلامَ الله، هو صَوْتُ القارئ، لا صَوْت الله تعالى، كما نصَّ عليه الأئمَّةُ كأحمدَ وغيرِهِ (٤٦).

وذلكَ أنَّ صوتَ العبْدِ إنَّما هو فعلُه القائمُ به، وأفعاله جميعاً مضافة إليه مخلوقةٌ كخَلقهِ، لكنَّ المسموعَ بصَوْتهِ، الذي نطَقَ به لسانُهُ، وتحرَّكَتْ به شفَتاهُ، كلامُ الله تعالى.


(٤٥) رواه اللالكائي في "السُّنَّة" رقم (٤٥١) بسند صحيح.
(٤٦) ذكر ذلك شيخ الإِسلام في "درء التعارض" ٢/ ٤٠.

<<  <   >  >>