للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلَقَ، وإن شاءَ لم يَخْلُقْ، وإنْ شاءَ غَضِبَ، وإنْ شاءَ رَضِيَ.

ومن الأدلَّة الموضِّحةِ لذلك:

١ - قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ...} [الأعراف: ١١].

تضمَّنت الآيَةُ ثلاثَ صفاتٍ: الخَلْقَ، التَّصويرَ، الأمْرَ، وقد وصف الله بها نفسَه، وهي صفاتُه قبل خَلْق الخَلْق، متعلَّقةٌ بمشيئتهِ، فشاءَ أن يخلقَ فخلقَ، وبعدَ الخَلْق صَوَّرَ، وبعدَ التَّصوير أمرَ الملائكةَ بالسُّجود، فهيَ أفعالٌ متعاقبةٌ، لم يقعْ تصويرٌ لآدم قبلَ خلقِهِ، ولا أمرٌ بالسُّجودِ للملائكةِ قبلَ خلقهِ وتصويرهِ، وإنَّما كان ذلك بعدَ الخَلْق والتَّصوير، ولا يزال الله تعالى خالقاً، مصوِّراً، آمِراً، إذا شاءَ.

٢ - وقوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: ٥٥].

فقوم فرعونَ لَمَّا أغضَبوا ربَّهم تعالى انتقمَ منهم، لم يقَعِ انتقامُهُ منهم قبل ذلك، مَعَ أنَّه لا زالَ متَّصفاً بالانتقام من أعدائِه، كما قالَ: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: ٢٢].

٣ - وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ٢٨].

فإحباطُ أعمالِهم لم يكنْ قبلَ اتِّباعِهم ما أسخَطَ الله وكراهِيَّتِهم رضوانَه، فدلَّ ذلك على أنَّ فعلَ الإِحباط الذي هو صفةُ الرَّبّ تعالى إنَّما أوقَعَه الله بعدَ استحقاقِ العبدِ ذلك.

<<  <   >  >>