فهو تعالى يقول لكلِّ ما يُريدُ خلقَه وتكوينَه:{كُنْ} ليكونَ، وقولُه:{كُنْ} كلامُهُ وصفتُه، جعلَه متعلقاً بإرادتِهِ، فمتى يريد تكوينَ شيء قال:{كُنْ} فيكون، فقوله تعالى:{وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ}[الأنعام: ٧٣] هو يَوْمُ القيامةِ، ويومُ القيامةِ لم يكنْ بعد، والله تعالى لم يقل له بعدُ:{كُنْ} وإنَّما يقولُ ذلك حين يشاءُ ذلك.
وهذا من أظهر الأدلَّة على تعلُّق كلامهِ تعالى بمشيئتهِ.
والأشعريَّةُ وأشباهُهم يحتجُّون بهذه الآية وأمثالِها على أنَّ القرآنَ غيرُ مخلوق ويَردّون بذلك على المُعتزلةِ الجهميَّةِ، وأغفَلوا دلالةَ الآيةِ نَفسها على تعلُّق قولِه تعالى بمشيئتِهِ، وهو من حَيْدَتِهم عن الحَقَّ والصَّراط المُستقيم كما سيأتي شرحه في الباب الثالث.
٢ - أخبرَ تعالى عن تكليمهِ لموسى ونِدائهِ له في مواضِعَ عدّةٍ من كتابِهِ، وإنَّما وقعَ ذلك بعد خَلْق موسى، لم يكلِّم موسى ولم ينادهِ قبل أن يخلقه، بل لم ينادِهِ ولم يكلِّمْه قبل أن يأتِيَ الشَّجرة، كما قال تعالى:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} فلم ينادِه قبل إتيانِهِ، خِلافاً لأهل البدع، وهذا مقتضى اللُّغَة التي نزلَ بها القرآنُ، والله تعالى إنَّما خاطب العبادَ بألسنتهم