للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يعقلونَها ويفهمونَها.

٣ - وقالَ تعالى مُخاطباً أهلَ النار: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} الآيات [المؤمنون: ١٠٥ - ١٠٨].

فهذا قولُه تعالى وكلامُه، إنَّما يُكَلِّمُ به أهلَ النار بعدَ أن يُصارَ بهم إليها, ولم يقع ذلك بعدُ، وإنَّما أخبرَنا عنْ وقوعهِ، ولا يفقَهُ مؤمنٌ، بل ولا عاقلٌ أنَّ الله تعالى قَدْ كَلَّم أهلَ النَّارِ من الأزلِ -كما يدّعيه بعضُ أهْلِ البدع- فقال لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} وهم لم يوجَدوا بَعْدُ ولَمْ يُخْلَقوا.

٤ - وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:

"احتجّ آدمُ وموسى ... " فذكر الحديثَ، وفيه:

" ... فقال آدمُ: أنتَ موسى الذي اصطفاكَ الله برسالتهِ وبكلامهِ، وأعطاكَ الألواحَ فيها تبيانُ كلّ شَيْءٍ، وقرَّبك نجيّاً، فبِكمْ وجَدْتَ الله كتبَ التّوراةَ قبلَ أن أخْلَق؟ قال موسى: بأربعينَ عاماً ... " الحديث (٥٢).

فأخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن تَكَلُّمَ الرَّبّ تعالى بالتوراة كان مُوَقَّتاً بوقتٍ، وذلك قبلَ خلقِ آدم بأربعينَ سنةً، هذا معَ أنَّ كلامَه تعالى قديمُ النَّوْعِ، وصفةَ الكَلامِ له ثابتة في الأزَلِ، إلاَّ أنَّها متعلَّقةٌ بمشيئتهِ واختيارهِ، فلمَّا شاءَ أن


(٥٢) حديث صحيح.
سبق الكلام عنه في التعليق على المبحث الثاني ص ٨٤ - ٨٥.

<<  <   >  >>