فمن تأمَّل هذه الحقائقَ التي ذكَرْتُ وما يشبهها، بانَ له صِحَّةُ وصفِ اللفظية القائلينَ بأنَّ ألفاظَنا بالقرآن مخلوقةٌ، بالجَهمية.
والسَّلَفُ والأئمةُ حينَ كفَّروا مَن قالَ بخَلْق القرآنِ، إنَّما كفّروا من قالَ بخَلْقِ القرآنِ الذي بين دَفّتَي المُصْحَف، المَسْطور فيه، الملفوظِ بالألسنةِ، المؤلَّفِ من الحُروفِ العَربيةِ، ولا يَعْرِفُ السَّلَفُ والأئمةُ هذا التفريقَ المُبْتَدَعَ الذي ظَهَرَتْ به اللَّفظيَّةُ النافيةُ، فليسَ عندهم القرآنُ سِوى هذا القرآنِ العربيّ، وهو كَلامُ الله تكلَّمَ به على الحقيقةِ.
وهذه بعضُ النُّصوصِ البيّنةِ الموضحَةِ لِما ذكرتُهُ عنهم:
١ - عبد الله بن المبارك (الإِمام الحُجَّة).
إنَّه قرأ ثلاثينَ آيةً من (طه) فقال: "مَنْ زَعمَ أنَّ هذا مخلوقٌ فهو كافِرٌ"(٤٨).
قلتُ: وهذه عند اللفظية ألفاظٌ مَخْلوقةٌ.
٢ - إمام السُّنَّة أحمد بن حنبل.
قال أحمد بن سعيد الدارميُّ: قلتُ لأحمدَ بن حنبل: أقولُ لكَ قَولي، وإنْ أنكرتَ منه شيئاً فقُلْ: إني أنْكِرُهُ، قلتُ له: نحنُ نقولُ: القرآنُ كلامُ الله من أوَّله إلى آخِره، ليسَ منه شيءٌ مخلوقٌ، ومَنْ زعَمَ أنَّ شيئاً منه
(٤٨) أخرجه ابن الطبري رقم (٤٢٧) بسند لا بأس به, ومعناه عند الآجري في "الشريعة" ص: ٧٩ من طريق أخرى عنه.