والوجه السادس: قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦] أضافَ الكلامَ إلى نفسهِ، وأبانَ أنَّه هو الذي يسمَعه الكافرُ المُستجيرُ، والأصْل أنَّ الكلامَ على حقيقتهِ المفهومةِ حالَ إطلاقهِ حتى تَرِدَ القرينةُ التي تَصْرِفُهُ عن المعنى المُتبادر، وكلامُ الله هنا هو القرآنُ لا غيرُهُ، والكلامُ كما قرَّرناه في الباب الأول اسمٌ لِلَّفظ والمعنى جميعاً، فدلَّ هذا إذاً على أنَّ الذي يسمعهُ المشركُ المُستجيرُ هو كلام الله على الحقيقةِ، وكلامُهُ تعالى غيرُ مخلوقٍ.
والوجه السابع: إطباقُ جَميع أهل الإِسلام على أنَّ القرآنَ العربيَّ كلامُ الله تعالى لا كلامُ غيره، منه بدَأ بألفاظهِ وحُروفِه لا من غيره، وأنَّه ليس لله قرآنً سِواهُ، هو الذي بلَّغَهُ رسُولُ الله محمَّد -صلى الله عليه وسلم- عن جبريلَ، وجبريلُ عليه السَّلام عن ربّه تعالى، لم يتقوَّلْ منه جبريل ولا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حَرْفاً ولا كلمةً، كيفَ وهما أمِيناهُ على وَحْيِهِ، و {اللهُ أَعْلَمٌ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤].
والوجه الثامن: يلزَمُ اللَّّفظيةَ ما لَزِمَ القائلينَ بخَلْقِ القرآن مطلقاً أنَّه لو كانَ القرآنُ العربيُّ المَلفوظُ بالألفاظ العَربيةِ مخلوقاً، فأين خُلِقَ؟ إذْ لا بدَّ أن يكونَ مخلوقاً في مَحَلٍّ، كسائر المَخلوقات، فإذاً يصيرُ صفةً للمَحَلِّ الذي خُلِقَ فيه، لا صِفةً لله، ويكونً حينئذٍ كلاماً للمَحَلِّ الذي خُلِقَ فيه، لا كَلاماً لله تعالى، وهذا كُفْرٌ بَيِّنٌ، والعَجيبُ أن يكونَ هذا الوجهُ ممَّا يُحاجِجُ به اللفظيَّةُ الجَهميَّةَ.
فهذه بعضُ الوجوه المُبْطلةِ لاعتقادِ اللَّفظِيَّة، ويَرِد عليهم أكثرُ من