وأشارَت الآيةُ إلى أنَّ أهلَ الكتاب الذين يعلَمونَ أنَّ هذا القرآنَ العربيَّ مُنَزَّلٌ من الله تعالى لا مِنْ بعضَ خَلْقِهِ خيرٌ وأفضَلُ من اللَّفْظِيةِ الذين يقولون: هذا الكتابُ العربيُّ مخلَوقٌ، كما أنَّهم أفضَلُ من سائرِ الجهمية القائلينَ بخَلْقِ القرآن.
والوجه الثالث: حين سمّاهُ المشركونَ شِعراً، لم يُريدوا بهذه التسميةِ إلاَّ لهذا القرآنَ العربيَّ المؤلّف من الحُروفِ العربيَّةِ، فكذَّبَ الله تعالى دعواهُم، كَما قالَ تعالى:{وَمَا عَلمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينُ}[يس: ٦٩].
قال الإِمام أبو محمَّد بن قُدامَة:"فلمَّا نفى الله عنه أنَّه شِعْرٌ وأثبتَه قرآناً لم يبقَ شُبْهَة لِذي لُبٍّ في أنَّ القرآنَ هو هذا الكتابُ العربيُّ الذي هو كَلِماتٌ وحروفٌ وآياتٌ, لأن ما ليسَ كذلك لا يقولُ أحدٌ: إنَّه شِعْرٌ"(٤٧). قلتُ: وهذا هو القرآنُ الذي قالَ السَّلَف: إنَّه غيرُ مَخلوق، وقالت الجهميةُ: إنَّه مخلوقٌ.
والوجه الرابع: ما تقرَّر في اعتقادِ السَّلَف الذي شَرَحْناه في الباب الأوَّل من كون هذا القرآنِ من الله بَدأ وإليه يعودُ، وقد فصَّلناه بما يُغني عن الإِعادة.
والوجه الخامس: إضافةُ هذا القرآن إلى الرَّسولِ البَشري تارةً، وإلى الرَّسولِ المَلَكي تارةً -كما سبق تقريرُهُ في الفصل السابق- وأنَّ معنى ذلك أنَّهما أدّياهُ وبلَّغاهُ، دليلٌ على أنَّهُ قولُ المُبَلَّغِ عنه وكلامُهُ، وهو الله