القرآنِ، ولا فَرْق بين تسميتهِ بـ (القرآن) أو بـ (الكتاب) وكلُّ ذلك كلامُ الله تعالى وقولُه، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:٢٩ - ٣٠]، فسمَّاه قُرآناً وكتاباً، والذي يُسمَع إنَّما هو القرآنُ الذي هو الكلامُ المؤلَّفُ من الحُروفِ والمَعاني.
قال شيخُ الإِسلام:"الكتابُ عند مَن يقولُ: إنَّ كلام الله هو المعنى دون الحروفِ اسمٌ للنَّظم العَربيّ، والكَلام عندَه اسمٌ للمعنى، والقرآن مُشْتَرِك بينهما، فلفظ (الكتاب) يتناوَلُ اللفظَ العربيَّ باتّفاق الناسِ، فإذا أخبرَ أنَّ {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ} عُلِمَ أنَّ النظمَ العربيَّ مُنْزَلٌ من الله، وذلك يدلُّ على ما قالَ السَّلفُ: إنَّه منه بدَأ، أي: هو الذي تكلَّم به"(٤٦).
والثاني: جَعَلَ تعالى إنزالَ الكتابِ مفصَّلاً فِعْلاً مُضافاً إلى نفسِهِ.
والثالث: أثْبَتَ أنَّ تنزيلَه منه -عَزَّ وَجَلَّ- لا مِن غيره، فدلَّ على أنَّ ابتداءَه منه.
والرابع: أخبرَ أنَّ أهلَ الكتاب يعلَمونَ أنَّه تنزيلُه وأنَّ ابتداءَه منه، والعلمُ يفيدُ اليقينَ المُنافيَ للجَهْلَ والظَّنِّ والشَّكِّ والرَّيْبِ، وأقرَّ تعالى علمَهُم هذا ولَمْ يُنْكِرْهُ، بل وَكَّده بقولهِ:{فَلَا تَكُونَنَّ مَنَ المُمْتَرِينَ}[الأنعام: ١١٤] فدَلَّ على أنَّه حَقٌّ، ولو كانَ ما عَلِموهُ باطلاً، وأنَّ القرآنَ من غيره بدأ لا منه، لَما أقرَّهُم تعالى على ذلك.