للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل العلْمِ والسُّنَّة يعدّونها محامدَ له.

ولكنَّه في مسألة القرآن أحدَثَ ما لَم يُسْبَق إليه، ووافقَ الجهمية المعتزلةَ في بعضِ أصُولهم، بل إنَّ تحقيقَ قولهِ يَرْجِعُ إلى قولِهِم، ووافقَهم في ردّ دلائل القرآن والسُّنَّة الموافقةِ لاعتقادِ السَّلَف.

وكانَ له أتباعٌ وافقوهُ على مقالَته وتَبِعوه عليها، حتى جاء الأشعريُّ (٥)


(٥) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، الذي تُنْسبُ إليه طائفة (الأشعرية)، وقد كانَ صاحب نظر وكلام، ذكيّاً فَطِناً، إلَّا أنَّ تَربّيَهُ في أحضانِ المعتزلة حَرَمه الانتفاعَ بذكائهِ وفطنتهِ، فنشأ على أصولهم واعتقادِهم، قيل: أربعين سنةً، ثمَّ نَزَع عن ذلك وتابَ منه، وأخذَ يردُّ عليهم، وصنَّفَ المصنفاتِ في ذلك، ووافقَ أهلَ السنَّة والسَّلَف في أكثر مسائل الأصول، لكن مع ذلك بَقِيَتْ فيه بقيةٌ من خُلاصة العُمُر الذي قضاه في الاعتزال، ولم يتوجَّه بعد توبته لتلقّي السُّنن والآثار -كما كانَ يفعلُ أهلُ السنَّة في زمانه- إلاَّ قليلًا، فطغى فكرُه القديمُ على طريقتهِ، فأخذ يَرُدُّ على المعتزلة بنفس قواعدهم، وربَّما زادَ عليها قليلًا من الأثر، وكانت هذه طريقةُ ابن كُلّاب وأتباعه، فكان أقرب إلى طريقته منه إلى أهل السنَّة والسَّلَف، فإنَّه وافقه وسلكَ طريقته في مسألة القرآن والصفات.
فرجَعَ الأشعريُّ عن بدعةِ الاعتزالِ إلى بدعة ابن كُلّاب، ومن حسنة رجوعه إثباتُ الصفات والرُّؤية وغير ذلك من عقيدة أهل السنَّة، ووافقَ الحقَّ في غالب ما رجع إليه، وجانبه في بعضه، ومن ذلك مسألة القرآن، وهي أعظمُ المسائل خطورةً، فقد وافق فيها ابن كُلّاب، وقد علمتَ أنَّ ابن كُلّاب كان مبتدِعاً فيها بدعةً لم يُسبَق إليها، وأنَّ تحقيقَ قولِهِ يَرْجِعُ إلى موافقة المعتزلة وإنْ خالفَهم في الظاهر.
ولقد اغترَّ كثيرٌ من إخواننا السلفيين بكتاب "الإِبانة" لأبي الحسَن الأشعري، ورفَعوا به من شأنه إلى حَدٍّ عدّه إمامَ أهل السنَّة والجماعة -قول أتباعه الأشعرية- بل إني رأيت لبعض المسوّدين لحواشي الكتب عدَّ اعتقادِ الأشعري هو اعتقادَ الإِمام =

<<  <   >  >>