التحوّل الأول: من الاعتزال إلى اعتقاد ابن كلّاب. والثاني: من اعتقاد ابن كلّاب إلى اعتقاد أحمد بن حنبل، وهو الذي ضَمَّنَه كتابَه "الإِبانة" وهو آخر كتبه، كذا قالوا! وفي هذا نظرٌ من وجوه يَطولُ شرحُها، غير أنّي أذكر من ذلك ما أرجو أن يَدْفعَ هذا الإِيهامَ والتلبيسَ: أولاً: ادّعاء أنَّ "الإِبانة" آخر تصانيفه تحكّمٌ لم يقيموا عليه الحجَّةَ البيّنة. ثانياً: أنَّ أبا الحسن حين رجع عن الاعتزالِ صنَّف في الردّ عليه، فهلَّا فعلَ مثل ذلك في عقيدة ابن كُلّاب التي صنَّف فيها ودعا إليها إن صحَّ رجوعُه عنها؟ ولقد ضمَّن "الإِبانة" بعضَ الردّ على المعتزلة فهلاَّ فعل مثل ذلك في اعتقاد ابن كلَّاب لو صحَّ رجوعُه عنه؟ ثالثاً: إنَّ ما ذكره في "الإِبانة" في بعض المسائل، وفي مسألة القرآن خاصَّةً، مجمَلٌ، يوافقُ في إجماله اعتقادَ أحمد واعتقادَ ابن كُلّاب جميعاً، فنظَرْنا في كلام الأشعري في القرآن في غير "الإِبانة" فوجدناه وافقَ ابن كُلَّاب في تحقيق المسألة، ولم يوافِق اعتقادَ أحمد، وما فُسِّر من كَلامه قاضٍ على ما أجْمِلَ. وشيخ الإِسلام ابن تيمية إمام رِضًى نتّفق على ذلك نحن وأنتم، ونتّفق على كونهِ من أعرف الناس بأقوال أهل القبلة، اسمعوه وهو يقول في الأشعري وهو يذكر اختلاف الناس في شأنه: "بل هو انتصرَ للمسائل المشهورة عند أهل السنَّة التي خالَفَهم فيها المعتزلةُ، كمسألة الرؤية، والكلام، وإثبات الصفات، ونحو ذلك، لكن كانت خبرتُه بالكلام خبرةً مفصَّلةً، وخبرتُه بالسنَّة خبرةً مجملةً، فلذلك وافق المعتزلةَ في بعض أصولهم التي التزموا لأجلِها خلافَ السنَّة، واعتقدَ أنَّه يمكنُه الجَمْعُ بين تلك الأصولِ وبين الانتصار للسنَّة، كما فَعَلَ في مسألة الرُّؤية، والكلام، والصفات الخبرية، وغير ذلك". حتى قال: "فلمَّا كانَ في كلامهِ شَوْبٌ من هذا، وشَوْبٌ من هذا -يعني مِن =