للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كانَ معتزلياً منافِحاً عن الاعتزال أربعينَ سنةً -كما يقولُه أتباعُه وغيرهم- وصنَّف في الدَّعوةِ إلى اعتقادِهم، ثمَّ تابَ عنه ورجَع، فسلَكَ طريقةَ ابن كُلّاب وارْتضاها، وإنَّما خالَفَهُ في يَسيرٍ من ذلك، وربَّما ذكَرَ بعض أهل العلم والسُّنَّة أنَّ ابن كلّاب خيرٌ منه على ما فيه.

وسَيظهَرُ لك في الفصْل الآتي تَوافُقُ الكُلّابيّةِ والأشعريَّةِ في مسألة القرآن.

وكذا جاءَ بعدَ ابن كُلّاب مَن وافقَه في بعض قَوْلِهِ وخالفَهُ في بعضِهِ، ومِنْ أوالئكَ ممَّن كانَ له أتباعٌ: أبو الحسن أحمد بن محمَّد بن سالم البَصْري، وكانَ يُذْكَرُ بِعِبادةٍ وزُهْدٍ، وأتباعُهُ يُقالُ لهمُ: (السَّالِميّة) ومِن أشهرِهم ذاك الصُّوفيّ المَشَهور أبو طالبٍ المَكّىُّ صاحبُ "قوت القلوب".

وقابَل هؤلاء طائفةٌ أخرى كان لها صِيتٌ وذُيوغٌ وكَثْرةٌ بخُراسانَ، وهم (الكرّامية) أتباعُ محمَّد بن كرّام السِّجِسْتاني، وكانَ مبتَدِعاً مَشْهوراً، خالفَ أهلَ السُّنَّة والسَّلَف في كثير من أَصولِهم في مسألة الإِيمانِ، والقرآنِ،


= كلام أهل السنَّة، ومن كلام المعتزلة - صارَ يقول من يقول: "إنَّ فيه نَوْعاً من التجهُم، وأمَّا من قالَ: إنَّ قولَه قولُ جَهْم فقد قال الباطلَ، ومَنْ قالَ: إنَّه ليسَ فيه شيءٌ من قولِ جَهمٍ فقد قالَ الباطلَ، والله يحبُّ الكلامَ بعلمٍ وعَدْلٍ، وإعطاءَ كلّ ذي حقٍّ حقَّه، وتنزيلَ الناس منازلَهم" "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٢٠٥.
وذكَرَ في بعض المواضع أنَّه وابن كُلّاب، ومن على طريقتهما في قولهم شيءٌ من أصول الجهمية.
و"الإِبانة" لم يكن خافياً على شيخ الإِسلام، بل إنَّه ذكره في مواضع كثيرة من كتبه ونقلَ عنه، فتأمَّل ذلك، ولا تكن من الغافلين.

<<  <   >  >>