للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] وكما قال: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: ٥] والمُحْدَث: المخلوق.

جوابها:

قوله (محْدَث) في الأصْلِ من (الحُدوثِ) وهو كونُ الشَّيءِ بعدَ أن لم يكنْ، والقرآن العَظيمُ حينَ كان يَنزِلُ، كان كُلَّما نزَلَ مه شيءٌ كانَ جَديداً على الناس، لَم يكونوا عَلِموه مِن قَبْلُ، فهو مُحْدَثٌ بالنسبة إلى الناسِ، ألا تراهُ قال: {مَا يَأْتِيهِمْ}؟ فهو محدَثٌ إليهم حين يأتيهم، ومنه قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله يُحدِثُ لِنبيِّه ما شاءَ، وإنَّ مِمَّا أحدثَ لنبيّه: أنْ لا تكلّموا في الصَّلاة" (١٠) وأمرُ الله: قولُهُ وكلامُهُ، وهو غيرُ مخلوقٍ، مُحْدَثٌ بالنسْبَةِ إلى العبادِ، أي: جديدٌ عليهم، فليسَ المحدَثُ هنا هو المخلوق.

وهذا الجَواب أحسن ما قيل في ذلك.

قالَ أبو عُبيد القاسِمُ إمامُ العربيةِ: " {محْدَثٍ} حدَثَ عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابهِ لمَّا عَلَّم الله ما لم يكن يُعْلَم" (١١).

وقال ابنُ قُتَيْبَة: "المحدَثُ ليسَ هو في مَوْضِع بمعنى: مخلوق، فإنْ أنْكَروا ذلك فليقولوا في قول الله: {لَعَل اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْراً} [الطلاق: ١] أنَّه يخْلُقُ، وكذلكَ: {لَعَلهُمْ يَتقُونَ أوْ يُحْدِث لَهُمْ ذِكْراً} [طه: ١١٣] أي: يُحْدِثُ لهم القرآنُ ذِكْراً، والمعنى: يُجَدِّدُ عندَهم ما لَمْ


(١٠) سبق تخريجه ص ٦٠.
(١١) "خلق أفعال العباد" ص: ٣٧.

<<  <   >  >>