للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن قلتُم: نعَمْ، أبطَلْتُم مذاهبَكم، فإنَّكُم تُسلّمونَ أنّ الخلافَ في هذه المسألة إنَّما هو في نُطْق اللّسانِ، لا في استحْضار المَقروء في القلْبِ.

وإن قُلْتُم: لا، أفسَدْتُم أصلَكم أنَّ الكلامَ الحقيقيِّ ما قامَ في النَّفْس من المَعاني.

ونَظير الآية المذكورةِ احتجاجهُم بحديثِ: "يقولُ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: أنا عندَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنا معه حين يذكُرني ... " الحديث.

فإنَّ الذّكْرَ في النَّفْس هنا هو ذكرُ اللسان سِرّاً، ألا تَراه قال في تتمة الحديث: "وإنْ ذكَرَني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منهم"؟ فهما منزلتان.

ونظيرهُ أيضاً احتجاجُهم بقَوْله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: ١٣].

بل إنَّ احتجاجَهم بهذه الآية أظْهَرُ في الحُجَّة عليهم، وذلك أنَّه تعالى أثبتَ لهم قَوْلاً يُسَرُّ به، وقَوْلاً يُجْهَرُ به، والمَجْهورُ إنَّما يكون برفْع الصَّوت، وضدُّه الذي يُسَرّ به، ويجمَعُهما نُطْقُ اللسان، يوضِّحُه قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]، فهذه ثلاثُ مَراتب: الأولى: الجَهْر، والثانية: السِّرّ، والثالثة: ما هو أخفى من السِّرّ، وليسَ هو إلَّا حديثَ النَّفْس، ولذلكَ قال في الآية: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تَنْبيهاً لهم على أنَّه إذا كانَ يعلَمُ ما في الصُّدور، وهو المُعبّرُ عنه في الآية الأخرى بـ {وَأَخْفَى} فعِلْمُهُ بالجَهْرِ بالقولِ والسِّرّ به أولى، ذكر نحوَ هذا شيخُ الإِسلام.

وأمَّا احتجاجهُم بقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "النَّدَمُ توبَةٌ" وما في مَعناه، ونحوه

<<  <   >  >>