للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجمهورُ العُقلاء من أهل السُّنَّة وأهل البِدْعة، اتَّفقوا على فَسادِ هذا القولِ، وأنَّ فسادَهُ معلومٌ بالضَّرورةِ، وذلك من وجوه متعدّدةٍ:

الأوَّل: أنَّ نفسَ قائليهِ لم يتصوَّروا ماهيَّتَه، وعجَزوا عن بيانهِ بتعريفٍ مُنْضَبطٍ.

قال شيخُ الإِسلام:"الكلامُ القَديمُ النَّفْسانيُّ الذي أثبتُّموه لم تُثْبِتوا ما هو؟ بل ولا تصوَّرْتُموهُ، وإثباتُ الشَّيْءِ فَرْعُ تصوّرِهِ، فمَن لم يتصوَّرْ ما يُثْبتُهُ كيفَ يجوزُ أنْ يثبتَه؟ ولهذا كانَ أبو سعيد بن كُلاّب -رأسُ هذه الطائفة وإمامُها في هذه المسألة- لا يذكُرُ في بيانِها شيئاً يُعْقَل، بل يقولُ: هو معنى يُناقِضُ السُّكوتَ والخَرَسَ، والسُّكوتُ والخرَسُ إنَّما يُتَصَوَّران إذا تُصُوِّرَ الكلامُ، فالسَّاكتُ هو السَّاكتُ عن الكلام، الأخرسُ هو العاجزُ عنه، أو الذي حصَلَتْ له آفةٌ في مَحَلِّ النُّطْقِ تَمْنَعُه عن الكلام، وحينئذ فلا يُعرَفُ السَّاكتُ والأخرَسُ حتى يُعرَفَ الكلامُ، ولا يُعرَفُ الكلامُ حتى يُعرَفَ السَّاكتُ والأخرَسُ، فتبيَّنَ أنَّهم لم يتصوَّروا ما قالوهُ، ولم يُثْبِتوهُ" (٢٥).

قلتُ: وقَدْ أفْحَشَ القومُ فذَكَروا فيما يَسْتحيلُ في حقّهِ تعالى الخَرَسُ والبَكَمُ، وقالوا: هو ضدُّ الكلام، لكنَّ قولَهم بالنَّفْسيّ ألْجَأهم إلى القَوْلِ بأنَّ المُستحيلَ في حَقِّه تعالى هو الخَرس النفسيّ (٢٦)،وهذا معناهُ أنَّ الأَخرَسَ الذي قامَت في نفسهِ المَعاني وعَجَزَ عن التَّعْبير عَنْها بلسانِهِ يصِحُّ وصفُهُ بالمتكلِّمِ، كما حَكاهُ الحافظُ أبو نَصْرٍ السِّجْزيُّ رحمهُ اللهُ فيما ذكرناهُ عنه آنفاً.


(٢٥) "مجموع الفتاوى" ٦/ ٢٩٦.
(٢٦) كما في "كفاية العوام وشرحها" ص: ١٢١ وغيرها من كتبهم.

<<  <   >  >>