والثاني: نعلَمُ جميعاً أنَّ الأخرسَ -الذي هو متكلَّمٌ في نظرِكم معشرَ الأشعرية- إنَّما مَنَعَتْهُ آفةٌ في لسانهِ عن التعبير عَمَّا في نفسهِ، فعجزَ عن البيان، فهو يُفْهِم ما قامَ في نفسهِ من المَعاني لغيره، فيعبّرُ عنها ذلك الغيرُ، وأنتم قلْتُم في ربْكُم ذلكَ: إنَّه يُفْهِمُ المعنى القائمَ بنفسهِ مَن شاءَ من عبادهِ، كما أفهَمه لجبريل عليه السَّلام، فعبَّر جبريلُ عمَّا في نفسِهِ تعالى.
أيُّ إفْكٍ هذا الذي جئتم به أيَّها المُعَطِّلَة، وأيّ نَقْصٍ جوَّزتُموه على ربكم؟ شبَّهْتُموهُ بالأخْرَس، فأيّ فرْقٍ بينه وبين الآلهةِ التي لا تُرْجِعُ إلى عابديها قولاً؟
سبحانَكَ هذا بهتانٌ عَظيمٌ.
والمتكلِّمُ بالألفاظ والمَعاني أكْمَلُ مِمَّن يقومُ المعنى في نفسهِ وهو لا يَقدِرُ على التَّعبير عنه -وهذا إنْ وُجدَ في المخلوق الضَّعيف كانَ نَقْصاً بيّناً- فجبريلُ إذاً يكونُ أكمَلَ من ربْكم, لأنه فَهِمَ المعنى وأمكَنَه التعبيرُ عنه.
تعالى الله عن قوِلكم علوّاً كبيراً.
والثالث: كَوْن الأمْر هو النَّهيَ، والنَّهي هو الخبَرَ، مِمَّا لا يعقلُهُ عاقلٌ، وهي على قولكم: معنى واحد، ولا يعقلُ عاقلٌ أنَّ القرآن العربيَّ
لو تُرْجِمَ إلى العِبْرانية كان هو التَّوْراة، والتَّوراة لو عُرِّبَت كانت هي القرآن، وهي على قوِلكُم معنى واحد.
وعلى هذا الْتَزَمْتُم أنْ تكونَ آيةُ الدَّيْن هي آية الكُرْسّي، و {تَبَّتْ يَدَا