إنْ قُلْتُم: سَمِعَ جميعَ المعنى فقد قُلْتُم الكُفْرَ، إذ ادّعيتُم إحاطَة موسى بعلْمِ الله وكلامِهِ الذي لا نِهاية له، والله تعالى يقول:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[البقرة: ٢٥٥].
وقد رأيتُ في هذا الإِلزام مناظرةٌ لطيفةً جَرَت بين الحافظ الإِمامِ أبي نَصْرٍ السَّجْزي وبعضِ الأشعرية، يحسُنُ سياقُها لِما تضمَّنَت من الفائدة.
قال فيها الحافظ أبو نَصْرٍ:" ... فقلتُ لمُخاطبي الأشعريّ، قد عَلِمْنا جميعاً أنَّ حقيقةَ السَّماع لكلام الله مِنه على أصْلِكُم مُحالٌ، وليس ههنا مَن تتَّقيه وتَخشى تَشنيعَه، وإنَّما مذهَبُكَ أنَّ الله يُفْهِمُ مَنْ شاءَ كلامَه بلَطيفةٍ منه، حتى يَصيرَ عالماً مُتيقِّناً بأنَّ الذي فَهِمَه كلامُ الله، والذي أريدُ أنْ ألْزِمَكَ واردٌ على الفَهْم ورودَه على السَّماع، فدَعِ التَّمْويهَ، ودَعِ المُصانَعَة، ما تقولُ في موسى عليه السَّلام حيثُ كلَّمه الله؟ أفَهِمَ كلامَ الله مُطْلقاً أم مقيَّداً؟
فتَلَكأ قليلاً، ثمَّ قال: ما تُريد بهذا؟
فقلتُ: دَعْ إرادَتي، وأجِبْ بِما عندك.
فأبى، وقال: ما تُريد بهذا؟
فقلتُ: أريدُ أنَّكَ إنْ قلت: إنَّه عليه السَّلام فَهِمَ كلامَ الله مُطلقاً،