للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقتضى أن لا يكونَ لله كلامٌ من الأزَل إلى الأبَد، إلاَّ وقد فَهِمَه موسى، وهذا يَؤول إلى الكُفْر، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ولو جازَ ذلك لصارَ مَن فَهِمَ كلامَ الله عالِماً باَلغَيْبِ وبِما في نَفْسِ الله تعالى، وقدْ نفى الله تعالى ذلك بما أخبرَ به عن عيسى عليه السلام أنَّه يقولُ: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوب} [المائدة: ١١٦].

وإذا لَمْ يَجُزْ إطلاقُهُ، وألْجِئْتَ إلى أنْ تقولَ: أفهَمَهُ الله ما شاءَ مِن كلامهِ، دخَلْتَ في التَّبعيض الذي هَرَبْتَ منه، وكفَّرْتَ من قالَ به، ويكونُ مخالفُكَ أسعدَ منك, لأنَّه قالَ بما اقتضاهُ النَّصُّ الواردُ مِنْ قِبَلِ الله عَزَّ وجَلَّ، ومِنْ قِبَلِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنتَ أبَيْتَ أن تَقْبَلَ ذلك، وادَّعَيْتَ أنَّ الواجبَ المَصيرُ إلى حُكْم العَقْل في هذا الباب، وقد ردَّك العقلُ إلى مُوافَقة النَّصِّ خاسِئاً.

فقال: هذا يَحْتاجُ إلى تأمُّلٍ، وقطَعَ الكلامَ" (٣٣).

والخامس: المعنى المجرّد لا يُسْمع باتّفاق العُقلاء.

قال شيخُ الإِسلام: "والمَعنى المجرّد لا يُسْمَع, ومَن قال: إنَّه يُسْمَع، فهو مُكابِر" (٣٤).

وموسى عليه السَّلام سَمعَ كلامَ الله، وكذلكَ سَمِعَ نداءَه، والنداءُ


(٣٣) "درء تعارض العقل والنقل" ٢/ ٩٠ - ٩٢ عن أبي نصر به.
(٣٤) "مجموع الفتاوى" ١٢/ ١٣٠ وانظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي ١٠/ ٢٩٤.

<<  <   >  >>