للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يكونُ إلاَّ صَوْتاً مسموعاً، قالَ شيخُ الإِسلام: "ولا يُعْقَلُ في لغة العرَبِ لفظُ النِّداء بغير صَوْتٍ مَسْموع، لا حَقيقةً ولا مَجازاً" (٣٥) وهذا قرّرناه في الباب الأوَّل.

ولكنَّ جُمهورَ الأشعرية أبَوُا التسليمَ لكونِ موسى سَمِعَ كلامَ الله على الحقيقةِ، فقالوا: إنْما سَمِعَ العبارةَ عن كلام الله.

قال أبو بكر بن فَوْرَك -أحَدٌ رؤوسهم-: "وَمعنى تكليم الله -عَزَّ وَجَلَّ- خلقَه: إفهامُه إيَّاهم كلامَه على ما يُريد، إمَّا بإسماع عبارةٍ تدلُّ على مرادِه، أو بابتداء فَهْمٍ يخلُقُه في قلبهِ يفهَمُ به ما يُريد أنْ يفهَمه به، وكلُّ ذلك سائغٌ جائزٌ، وهو معنى ما يُكلِّمُ الله تعالى به العبدَ عند المحاسَبةِ" (٣٦).

وربَّما أطلقَ بعضُهم أنَّ موسى عليه السَّلام سَمِعَ كلامَ الله، وسكتَ، وهذا يُصِرُّ على أمْرٍ عَظيم، ليُمَوِّهَ ويُلَبِّسَ على الناسِ الجاهلين بمَذْهَبِهم.

وربَّما صرَّحَ بعضُهم بأنه لا يُسْمَع بحالٍ، إنَّما يُسْمَع المَعنى، كما يقولُه الباقلاّني (٣٧)،وهذا مُكابَرةٌ ظاهرةٌ، وعَجَباً لمَن يدّعي الغوصَ في المعقولِ والتَّبحُّرَ فيه وهو يأتي بمثلِ هذه الجَهْليَّات!

والسادس: لقد فرَّقَ الله تعالى بين مَراتب التكليم لرُسُله، فقال:


(٣٥) "مجموع الفتاوى" ١٢/ ١٣٠.
(٣٦) "مشكل الحديث" ص: ٩٣ وانظر: ص: ١٧٠ و"مقالات الإِسلاميين" ٢/ ٢٣٣ وكتاب "التوحيد" للماتريدي ص:٥٩ و"فتح الباري" ١٣/ ٤٥٥.
(٣٧) "درء التعارض" ٢/ ١١٤ وانظر: "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٤٠٣.

<<  <   >  >>