للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:٥١].

فإذا كانَ معنًى واحداً فلا فَرْقَ إذاً بينَ تكليم الله لموسى وإيحائهِ لغَيْرهِ، ولا بَيْنَ التكليم من وَراء حِجابٍ والتكليم إيحاءً، لأنَّ إفهامَ المعنى المجرّد يَشتركُ فيه جميعُ الأنبياءِ عليهمً السَّلام، ففي عدّ ذلك جميعاً معنًى واحداً رَدٌّ للقرآن (٣٨).

والسابع: في قولهم: إنَّه معنى، إبطالُ دين المُسلمينَ في أنَّ هذا القرآن العربيّ بألفاظهِ ومَعانيهِ كلامُ الله تعالى على الحَقيقة، وهم يُصَرِّحونَ بهذا فيقولون: القرآن العربيُّ عِبارَة عن كَلام الله ودالٌّ عليه، وليسَ هو كلام الله على الحقيقة، لأنَّ كلامه تعالى غيرُ بائن منه، وهذا القرآن بائنٌ منه، كذا قالوا، وسيأتي بيان ذلك.

فهذه الجُمْلَة من وُجوه النَّقْض كافية لِلّبيب لِإبطال هذا المُعْتَقد الفاسِدِ المُناقض للمَعقول والمَنقول، وإجماع العُقَلاء قَبْل ابن كُلاّب.

قالَ شيخ الإِسلام: "والفُضَلاء من أصحاب الأشْعَري يَعترفونَ بضَعْفِ لَوازم هذا القول مع نَصْرِهم لكَثير مِنْ أقوالهِ الضَّعيفة" (٣٩).

وقد نَشَأ عن هذا الأصْلِ الفاسدِ بدعَتان شَنيعتان:

• البدعه الأولى: كلام الله ليس بحرف ولا صوت:

حين ذهبَ الأشعريةُ إلى كَوْنِ الكَلام معنًى مجرّداً، إنَّما فَرّوا مِن


(٣٨) انظر: "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٥٠.
(٣٩) "درء تعارض العقل والنقل" ٤/ ١١٥.

<<  <   >  >>