للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصْفِهِ بالحَرْفِ والصَّوْتِ, لأنَّ الحروفَ والأصوات لا تكونُ إلاَّ مخلوقةً عندهم، فنزّهوا كلامَ الله تعالى أنْ يكونَ بحَرْفٍ أو صَوْتٍ -بزَعْمهم- فقالوا: هو الكلام النَّفسي، والحُروف إنَّما خُلِقَت للدَّلالة عليه، والصَّوْتُ خُلِقَ للإِعلام والإِفْهام.

قال مُحقّقُهم الباقلاّني: "ويَجِبُ أنْ يُعْلَمَ أنَّ الله تعالى لا يَتَّصفُ كلامُه القديمُ بالحُروف والأصْواتِ، ولا شَيْءٍ من صفاتِ الخَلْق" (٤٠).

وقال ابن فَوْرَك: "وكلامُ الباري ليسَ بحُروفٍ، وإنَّما هو معنى موجودٌ قائمُ بذاتهِ، يُسمَعُ وتُفْهَمُ مَعانيه به، والحُروف تكونُ أدلَّةً عليه، كما تكونُ الكتابةُ أماراتِ الكَلام ودَلالاتٍ عليه، وكما نَعْقِلُ مُتكلِّماً لا مخارجَ له ولا أدوَات، كذلك نَعقِلُ له كلاماً ليسَ بحُروفٍ ولا أصْواتٍ" (٤١).

وقال الغَزَّالىُّ -ولا يَخْفى قَدْرُهُ فيهم- في شَرْح صفَةِ الكَلام: "وأنَّه متكلَّمٌ، آمِرٌ، ناهٍ، واعدٌ، متوعِّدٌ، بكلامٍ أزليّ قَديم، قائمٍ بذاتهِ، لا يشبَه كلامَ الخَلْق، فليسَ بصَوْتٍ يحدُثُ من انسلالِ هَواء، واصْطِكاك أجْرام، ولا بِحَرْفٍ يَنْقَطِعُ بِإطباقِ شَفَةٍ، أو تَحْرِيكِ لسانٍ" (٤٢).

وقال صاحبُ"كفاية العَوامّ": "الكلامُ: وهي صِفَةُ قَديمةُ، قائمةُ بذاتهِ تعالى، ليسَتْ بحَرْفٍ ولا صَوْتٍ، منزَّهةٌ عن التقدُّمِ والتأخّرِ


(٤٠) "الإِنصاف" ص: ٩٩.
(٤١) "شعب الإِيمان" ١/ ١٢٤ وكانت كلمة (نعقل) في الموضعين: (يعقل) ورأيتُ الأصحَّ ما أثبتُّه.
(٤٢) نقله ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص: ٣٠٢ عن "قواعد العقائد" لأبي حامد الغزالي.

<<  <   >  >>