كَوْنِ كلام الله بحَرْفٍ وصَوْتٍ، فردّوا بذلك الكتابَ والسُّنَّةَ واعتقادَ السَّلَفِ والأئمَّةِ، وخَرَقوا إجماعَ العُقَلاءِ من أهْل السُّنَّة وغيرِهم، فحينَ ألْزَمَتْهُم المعتزلةُ بأنَّ الاتّفاقَ حاصِلٌ على أنَّ الكلامَ حرفٌ وصوتٌ، ويدخلُهُ التَّعاقبُ والتأليفُ, وذلك لا يوجَد في الشاهدِ إلاَّ بحركةٍ وسُكونٍ، ولا بدَّ أنْ يكون ذا أبعاضٍ وأجزاءٍ، وقالوا: هذه الصفةُ لا يَجوز أن تكونَ صفةً لذات الله تعالى، فضاقَ السَّبيلُ بالأشعريَّة عند هذا الإِلزام، فالتزموهُ، للجَهْل بالسُّنَن، والتسليم لمجرَّدِ العَقْل، الذي لو فُرِّغَ من الأهواءِ والظُّنون، وحَكَمَهُ الإِخلاصُ والتثبُّتُ والاتّباعُ، لَوَقَفَ بهم على ساحِل النَّجاةِ، ولكنَّهم جَعلوهُ الحكم على ما جاء به الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-، فأرْداهم وأبْعَدَهم.
وجميعُ ما مَوّهوا به اعتراضٌ على الحَقّ المُتَواتر بالظُّنونِ العَقْليةِ التي مَبْناها على القياسِ على المَخلوق، فإنَّ القَوْمَ يُكْثِرونَ من عَيْبِ المعتزلةِ بهذه البدعةِ، التي هي تشبيهٌ في الأصْل أفضى إلى التَّعْطيلِ، وهي قياسُ الغائبِ على الشاهدِ، ويُشنّعونَ عليهم بذلكَ، معَ أنَّهم سلّموا لهم هنا ظنونَهم وأهواءَهم التي حَسِبوها عَقْلياتٍ، وهي في الحقيقة جَهْليات، لِما تضمَّنت من الشَّناعةِ والقَوْل على الله بغير علمٍ، وقياسِ الخالق على المَخلوق، فأبْطَلوا حقيقة كَوْنِ الكلامِ بحروفٍ وأصواتٍ، وآلَ بهم الحالُ إلى إنكار أن تكونَ هذه صفةَ كلام الله تعالى، وخالَفوا بهذا اعتقاد السَّلَفِ، وخَرَجوا عن منْهَج أهْلِ السُّنَّة.
وهذه أجْوبةٌ موجَزَةٌ عن هذه الشُّبُهاتِ، تُبِينُ عن جَهْلِ القَوْم بحقائق التَّوحيد: