فكون التَّعاقب والتَّوالي في كلام الله دليلاً على الحدَثِ إيرادٌ عقليٌّ فاسدٌ، تَبِعوا فيه المعتزلةَ الجَهمية، وأولئك لم يُثْبِتوهُ عن أصلٍ معصوم، وإنَّما هوَ الرْأيُ الفاسِدُ، وقد بَيَّنْتُ بطلانَه في مَعْرِض الرَّدِّ على شبُهاتِ المعتزلة.
وأما الثاني:
فكونُ الحُروفِ والأصواتِ لا تكونُ إلا بمَخارجَ فمن أفْسَدِ اعتراضاتِهم، وذلك من وجوه:
الأوَّل: أنَّه قياسٌ للربّ تعالى على المَخلوق، فإنَّهم تصوَّروا كلامَ المخلوق بأنَّه لا يكونُ إلاَّ بمَخارج، فقالوا مثلَه في ربِّهم، وهذا نَقْصٌ لقاعدةِ أهل السُّنَّة في التَّنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
والثاني: يلزَمُهم قَوْلُ المعتزلة في سائر الصِّفات، فإنَّهم يُثْبتون العِلْمَ والسَّمْعَ والبصر ونحوَ ذلك من الصِّفات لله تعالى، والمخلوق يتَّصِفُ بها أيضاً، وهي لا تكونُ منه إلاَّ بآلةٍ، فالعلمُ لا يحصَلُ إلاَّ بقَلْبٍ، والبَصَر لا يكونُ إلاَّ بحَدَقَةٍ، والسَّمْعُ لا يقَع إلاَّ من انْخِراقٍ، وقَدْ ألزَمَتْهم المعتزلةُ بهذا، فأجابوا: بأنَّ هذا مِنْ قياس الغائب على الشَّاهدِ، وهو باطلٌ، والله تعالى ليسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهَلاَّ قالوا مثلَ هذا في صفةِ الكلام، وأنَّها بحَرْفٍ وصَوْتٍ، لا يشبهُ كلامُهُ كلامَ خَلْقِهِ، ولا صَوْتُهُ أصْواتِهم؟
والثالث: أنَّ الله تعالى أنْطَقَ بعضَ مخلوقاتِهِ بغير مَخارج، قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ