للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَيْءٍ} [فصلت: ٢١]، وسَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تسبيحَ الحَصى، ممَّا هو معروفٌ مَشهورٌ، فبطل ما قعّدوه من كَوْنِ الكلام بحَرْفٍ وصَوْتٍ لا يكونُ إلاَّ بمَخارجَ، وثَبَثَ أنَّه معقولٌ.

وأما الثالث:

فكونُ الحروفِ صفةَ قِراءَة القارىءِ مكابَرَةٌ للحسِّ والعَقْلِ، فإنَّ القراءة تُطْلَقُ في الغالبِ على المَصْدَر، وقَدْ يُرادُ بها المَفعولُ -كما فصّلتُه في الباب الثاني- والأشعرية يُفَرِّقونَ بين القراءَةِ والمَقروءِ مطلقاً، فالقراءةُ فِعْلُ القارىءِ، والمَقروءُ المفعولُ، وهذا يوافِقُهم في إطلاقه بعضُ أهْل السُّنَّة كالبُخاريِّ رحمةُ اللهُ، ولكنَّ مرادَهُم غيرُ مُرادِهِ، وتفسيرَهُم غيرُ تفسيرِهِ، فإنَّه رحمه الله كانَ لقَوْلِه قُوَّةٌ مِن جهةِ اللغةِ، وعلماءُ السُّنَّةِ كالإِمامِ أحمدَ وغيرِه أنكَروا الإِطلاقَ لِدَفْعِ الإِيهامِ والإِشكالِ الذي تُمَوِّهُ به الجَهميةُ، والبُخاريُّ فَصَلَ بين القراءَةِ والمقرَوءِ، فخصَّ القراءةَ بفِعْل القارىءِ وهو حركَةُ شَفَتَيْهِ وصوتُهُ بالقرآنِ، والمَقروءَ: الذي تتحرّكُ به الشَّفَتانِ، وتَنْطِقُ به الألسنةُ، وتُصَوِّتُ به الحَناجرُ، الذي هو القرآنُ العربيُّ المؤلّفُ من الحروفِ والمعاني، والذي هو كلامُ الله على الحقيقةِ، وما أرادَه البخاريُّ من المعنى حقٌّ وصَوابٌ، وقد ذكرتُهُ عنه في الباب الثاني، وبَّينْتُ غلَطَ اللفظيَّةِ الأشعريَّةِ عليه فيهِ.

والأشعرية عندَهم القِراءةُ والتّلاوةُ هي فِعْلُ القارىءِ والتّالي، ويقولون: الحروفُ داخلةٌ في تلاوة التّالي وقراءةِ القارىءِ، وهي غيرُ المتلوِّ المَقروءِ (٤٩).


(٤٩) انظر: "مجموع الفتاوي" ٧/ ٦٥٥ و ١٢/ ٣٧٤.

<<  <   >  >>