للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلكَ أنَّ الله تعالى له صفاتُ الكَمالِ، وكلُّ صفةِ كَمال لا نقْصَ فيه فالله يتَّصفُ بها، والكلامُ صفةُ كَمال، فإنَّ مَن يتكلَّم أكْمَلُ مِمَّنْ لا يتكلَّم، والذي يتكلَّمُ بمَشيئتهِ وقُدْرَتهِ أكمَلُ مِمَّنْ لا يتكلَّم بمشيئتهِ وقدرتهِ، وهو إمَّا أنْ يكونَ قادِراً على الكلام أو غير قادرٍ، فإنْ لم يكن قادراً فهو الأخرَسُ، وإنْ كان قادراً ولم يتكلَّم مُطْلقاً إلاَّ إذا مُكِّنَ أو استُنْطِقَ فهو لا يتكلَّم بمشيئتهِ واختياره، وليست هذه ولا تلكَ صِفةً لله (٥٢).

وهذا الاعتقادُ لا تُقِرُّ به الأشعريةُ، لأنَّ ما تعلَّقَ عندَهم بالمشيئةِ والاختيارِ مخلوقٌ، والله تعالى لا يَقومُ به شَيْءٌ يتعلَّقُ بمشيئتهِ وقدرتهِ.

وهذا مِمَّا نتَجَ عن أصلِهم الفاسدِ في كونِ كلام الله تعالى معنًى أزليّاً واحداً، ومِمَّا وافقوا فيه الجَهْميَّةَ.

قال شيخ الإِسلام: "وهؤلاء وافَقوا الجهميةَ والمعتزلةَ في أصْلِ قَوْلِهم: إنَّه متكلّمٌ بكلام لا يَقومُ بنفسهِ ومشيئتهِ وقدرتهِ، وإنَّه لا تقومُ به الأمورُ الاختياريةُ، وإنَّه لم يَسْتَوِ على عرشهِ بعدَ أنْ خلَقَ السَّماواتِ والأرضَ، ولا يأتي يومَ القِيامَةِ، ولمْ يُنادِ موسى حينَ ناداهُ، ولا تُغْضِبُهُ المَعاصي، ولا تُرْضيه الطاعاتُ، ولا تُفْرِحهُ توبةُ التائبين" (٥٣).

قلتُ: لأنَّ الله عندَهم لا يوصَف بالرِّضا والغضَب والفَرَح، ولا بالإِتيانِ والمَجيءِ، ولا بالاستواءِ على العَرْش بعدَ خَلْق السَّماواتِ والأرْضِ، وهو خِلافُ ما نطَقَ به الكتابُ العزيزُ من أنَّه كان بعدَ خَلْقِ


(٥٢) انظر: "مجموع الفتاوى" ٦/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
(٥٣) "مجموع الفتاوي" ١٢/ ٥٩٤.

<<  <   >  >>