للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّماواتِ والأرض.

وهذا المعنى الذي ذكرناهُ عن الأشعرية من عَدَم تعلُّقِ كلامهِ تعالى بمشيئتهِ وقُدْرتهِ، لم يتصوّروهُ هم أنفُسُهم، ولم يَقْدروا على تفسيرهِ بتفسير مَعقولٍ واضحٍ، إلاَّ على معنى إبطال حقيقةِ الكلام.

وهذا كلامُ بَعْضِ مُحَقِّقيهم يُفْصِحُ لك عن حقيقةِ اعتقادِهم:

قال ابن فَوْرَك: "كلامُ الله تعالى أزليٌّ قديمٌ، سابقٌ لجُمْلة الحوادثِ، وإنَّما أسمَعَ وأفهَمَ لمنْ أرادَ من خلْقه على ما أرادَ في الأوقاتِ والأزمنةِ، لا أنَّ [عينَ] كلامهِ يتعلَّق وجودُه بمُدَّةٍ وزَمانٍ" (٥٤).

وقال: "نقولُ: إنَّ الله لم يَزَلْ مُتكلِّماً، ولا يَزالُ متكلِّماً، وأنَّه قدْ أحاطَ كلامُه بجَميع مَعاني الأمْرِ والنَّهْي والخَبَر والاستخبارِ، وأنَّ العباراتِ عنه والدَّلالاتِ كثيرةٌ تتجدَّدُ وتتزايَدُ، ولا يَزيدُ بتزايدِ العِباراتِ كما أنَّ الدَّلالاتِ على الله عزَّ ذكرُهُ تتجدَّدُ وتتزايَدُ، ولا يقتَضي تجدُّدَ المَدلولِ وتَزايدَهُ، فإذا حصَّلتَ هذا الأصْلَ عَلِمْتَ حقيقةَ ما نقول" (٥٥).

وقال: "إنَّ كلامَ الله لم يَزَلْ ولا يزالُ موجوداً، فإنَّه يُفْهِمُ خلقَه معانيَ كلامِهِ أوَّلاً فأوَّلاً، وشَيْئاً فشَيْئاً، وأنَّ الذي يتجدَّدُ الإِسماعُ والإِفهامُ دونَ المسموعِ المَفهومِ" (٥٦).

وقال حَوْلَ ماَ وَرَدَ من تكليم الله لعباده يوم القيامةِ: "والصَّحيحُ أنْ


(٥٤) "مشكل الحديث" ص: ١٣٣ - ١٣٤.
(٥٥) "مشكل الحديث" ص: ٢٠٤.
(٥٦) "مشكل الحديث" ص: ٢٣٢.

<<  <   >  >>