للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقال: إنَّ كلام الله لم يَزلْ ولا يَزالُ، وإنَّهُ مُسْمِعٌ مَنْ يشاءُ من خَلْقهِ، ومُفْهِمٌ مَنْ أرادَ منهم إفهامَه في الوقتِ الذي يُريدُ أنْ يُسْمِعَهُ ويُفْهِمَهُ ما يُريدُ من ذلك، مِنْ غير تَجديدِ قولٍ ولا كَلامٍ، وإذا قيلَ في ألفاظِ هذه الأخبارِ: يقولُ الله، ويتكلَّمُ الله، فليس المُرادُ به تجديدَ القولِ والكلام، وإنَّما المرادُ تجديد الإِسماعِ والإِفْهامِ للقَوْلِ الذي لم يَزَلْ" (٥٧).

وصرَّح بإنكار قوْلِ من يقولُ: إنَّ الله يتكلَّم مرَّةً بعدَ أخرى، وعلَّل ذلك بقوله: "لأنَّ ذلكَ يوجبُ حَدَثَ الكَلام" (٥٨).

وقال الباجوريُّ في تكليم الله لموسى: "وليسَ المُرادُ أنَّه تعالى يبتديءُ كلاماً ثُمَّ يَسْكُتُ، لأنَّه لم يَزَلْ مُتَكلِّماً أزلاً وأبداً" (٥٩).

قلتُ: وفي هذا الكلام عِدَّة أمور:

الأوَّل: أنَّ صفةَ الكلام الثابتةَ لله تعالى هي المعنى القَديم، لا أوَّلَ لها ولا آخر.

والثاني: أنَّ الذي يُوحى للرُّسُل، وغيرِهم مِمَّا يتعلَّقُ بالأزْمِنةِ والأمكنةِ هو العِباراتُ عن هذا الكَلام، والدَّلالاتُ عليه، وهيَ مخلوقةٌ، كالذي سَمِعَ موسى حين أتى الشجرَةَ.

والثالث: أنَّ قولَ الله لِما يُريدُ تكوينَه (كُنْ) وما يُوحِي إلى رُسُلِهِ من الكلام المُعَبَّر عنه بعباراتٍ كالقُرآن والتَّوراة والإِنجيل، كُلُّ ذلك معنى ثابتٌ


(٥٧) "مشكل الحديث" ص: ٢٣٥، وانظر ص: ٢٣٣.
(٥٨) "مشكل الحديث" ص: ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٥٩) "شرح الجوهرة" ص: ٧٤.

<<  <   >  >>