التَّحقيق أنَّه متكلمٌ بالحُروف والأصْواتِ، لأنَّ الخَرَسَ عَدَمُ القدرةِ على الكلام، والسُّكوتَ عَدَمُ النُّطْق بالكَلام، لكنَّ القومَ فَرُّوا مِن هذه الحقيقةِ التي لا يَعْقِلُ العاقِلُ سواها إلى خُرافةٍ لا يَسْتسيغُها الصِّبيان، فضْلاً عن العُقَلاء العارفينَ، فقالوا: الخرَسُ والسُّكوتُ نفْسيان، فالذي يُنزَّهُ الله عنهُ عندَهم هو الخَرَسُ النَّفْسيُّ والسُّكوتُ النَّفسيُّ، أرأيتَ كلاماً أشبَه بالسَّفْسَطَةِ من هذا؟!
فتأمَّلْ رحِمَك الله اعتقادَ السَّلَفِ والأئمَّةِ، وانظر بيانَه وظهورَه وقوَّةَ حُجَّتهِ ودليلهِ، وقارِنْه بهذه السَّفاهات الأشعريةِ وغيرها يَجْلُ لك الحقُّ وينْقطِعُ عنكَ الشَّكُّ والرَّيْبُ، فإنَّ اعتقادَ السَّلَف لا يَرِدُ عليه بفضْلِ الله شيءٌ من أقوال أهل البدع، وقد كفيناكه في الباب الأول ولله الحمد.
وأمَّا ما حاوَل أهلُ البِدَع أن يموّهو به فهو دليلُ حَيْرَتِهم، وهو حُجَّةٌ عليهم لو عَقَلوهُ -كما قَدْ رأيتَ- ولو أنَّهم تَرَكوا الكلامَ المذمومَ وأقْبَلوا على الوَحْي المَعصوم لسَلِمَ لهم دينُهم.