أمَّا الأوَّل فبما نَقَضْناه عليهم في قولهم: كلامُ الله معنى مجردٌ، وإقامةِ الأدلَّةِ على أنَّ كلامَه تعالى متعلقٌ بمَشيئتهِ واختيارهِ، يتكلَّمُ بأمْرِه ونَهْيهِ وخَبرهِ تعالى إذا شاءَ، ومتى شاءَ.
وأمَّا الثاني فمُقْتضاه القوْلُ بأنَّ كلام الله مخلوقٌ جميعاً، لأنَّه لا يُعْرَفُ الكلام إلاَّ ما كان خبَراً أو إنشاءً، وعندَ هؤلاء ما لا يسْبقُ الحَوادث فهو حادثٌ، والخبَرُ والإِنشاءُ لم يكونا إلاَّ بعْدَ وجودِ المُكلَّف، فالمكلَّفُ سابقُ الوجودِ للأمْرِ والنَّهْي والخَبَر، فهي مخلوقةٌ على أصلِهِم، وهَل كلام الله إلاَّ الأمْرُ والنَّهْيُ والخَبَر؟
وهذا القولُ مُقْتضٍ أن يكونَ معنى كلام الله مخلوقاً أيضاً لا ألفاظُهُ فحَسْب، وبهذا يبطلُ دينُ الأشعريةِ في إثباتِ صفةِ الكلام، فليسَ ثمَّ معنى قديمٌ، وهم أنفُسُهم لم يكونوا يتصوَّرون معنًى قَديماً هو الأمْرُ والنَّهْيُ والخَبَرُ، فكيفَ يُمْكِنُهم تَصَوَّرُ كلامٍ هو معنى لَيسَ بأمْرٍ ولا نَهْيٍ ولا خَبَرٍ؟
فمُحَصَّلُ ما ذكرنا أنَّ الأشعرية مُضْطربونَ كلَّ الاضطراب في إثباتِ مَذْهَبهم، وسبَبُ فلكَ عَجْزُهم عن تصوَّرهِ وإدراكهِ، وإلَّا فكيفَ يُمْكِنُ وقوعُ الكلام من مَوصوف به من غير أن يكون بقُدْرَتهِ ومشيئتهِ؟
وهم يُنَزّهونَ الله تعالى عن الخَرَس والسُّكوتِ، ومعنى هذا على