للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَخلوقًا في اللَّوح، أو في الهَواءِ، أو في جِبريلَ، أو محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، مَوْرِدَ مسائل الفُروع الخِلافية.

وأمَّا قولُ إمامكُم الجُوَيْني ومَن تَبِعَه: إنَّ إطلاقَ كَلام الله على الكَلام النَّفسي، والنَّظم العربيّ، حقيقةٌ فيَهما جميعًا (٧٠)، فهو أبْعَدُ شَيْءٍ عن المَعقول الذي تدَّعونه، فإنَّه إنْ كانَ كلامَ الله على الحقيقةِ على هذه المقالةِ، بطلَ أن يكونَ مخلوقًا، سَواء كان ما سَمَّيْتُموه بالكلام النفسيّ، أو النّظمِ العربيّ، وهذا يُبْطِلُ أصلَكم، ولكنَّ الأمرَ ينطوي على سِرٍّ لا تُظْهِرونَه على كل حالٍ خشيةَ أن تبدوَ سوآتُكم، وتنكشفَ عَوْراتُكم، وهو الذي صرَّحَ به شارحُ الجَوْهرة حينَ قال: "إنَّه كلام الله قَطْعًا، بمعنى أنَّه خَلَقَهُ في اللَّوْح المَحْفوظ" فهذه الحقيقةُ المُرادَةُ عندَكم.

قال شيخُ الإِسلام ابن تيمية: "فإن قيلَ: إنَّه كلّه كلام الله تكلّمَ به، وبلّغَه عنه جبريلُ إلى محمَّد -كما هو المَعلوم من دين المُرْسَلين- كانَ هذا صَريحًا بأنَّه لا فَرْقَ بين الحُروف والمَعاني، وأنَّ هذا من كلام الله، كما أنَّ هذا من كلامِ الله، وإنْ قيلَ؛ إنَّه خَلَقَ في غيرهِ حروفًا منظّمةً دَلَّتْ على معنى قائمٍ بذاتهِ، فقَدْ صرَّحَ بأنَّ تلكَ الحروفَ المؤلَّفةَ ليست كَلامَه، وأنَّهُ لم يتكلَّمْ بها بحالٍ، وإذا قيلَ: إنَّ تلكَ تُسَمَّى كلامًا حقيقةً، وقد خُلِقَتْ في غيره، لَزِمَ أنْ تكونَ كلامًا لذلك الغَيْر، فلا يكونُ كلامَ الله، وهو خِلافُ المَعلوم من دين الإِسلام، وإنْ قيلَ: لا يُسَمَّى كَلامًا حقيقةً كانَ خلافَ المعلومِ من اللُّغَةِ والشَّريعةِ ضَرورةً" (٧١).


(٧٠) انظر: "الإِرشاد" للجويني ص: ١٠٨.
(٧١) "مجموع الفتاوى" ٦/ ٥٣٥.

<<  <   >  >>