فالتَّحقيقُ الذي لا مِرْيَةَ فيه أنَّ الأشعريةَ يعتقدونَ أنَّ القرآنَ العربيَّ مخلوقٌ، وهذا عَيْنُ قَوْلِ المُعْتزلةِ الجَهميةِ.
شبهة:
ومَعَ التَّحقيقِ الذي ذكَرْنا في اعتقادِهم، فإنِّهم نَصُّوا على أنَّ القرآنَ الذي نتلوهُ كلامُ الله، متلوٌّ بألْسِنَتِنا على الحَقيقةِ، مَكتوبٌ في مصاحِفنا على الحَقيقةِ، محفوظٌ في صدورِنا على الحقيقةِ، مسموعٌ بأسماعِنا على الحقيقةِ.
وهذه شُبْهَةٌ التبسَت حقيقتُها على كثيرٍ من النَّاس، وخاصَّةً من بعض إخوانِنا السَّلَفيينَ، فإنَّهم لمَّا رَأوْا ذلك في "الإِبانة" للأَشْعَريّ، وغيره من أتباعهِ، حَسِبوها موافقةً منهم لاعتقادِ أهْلِ السُّنَّة.
وليسَ الأمْرُ كذلك، فإنَّ القومَ حين فصَّلوا اعتقادهم بانَ حقيقةُ المعنى الذي أرادوا وراءَ هذه الألفاظِ المُجْمَلةِ، بل إنَّهم فسَّروها في غَيْرِ مَوْضع.
قالَ أبو القاسم القشيريُّ -وهو من كِبار مُحقِّقيهم- في "شكاية أهل السُّنَّة" وهو يذبُّ عن الأشْعَريّ: "بل القرآنُ مكتوبٌ في المُصْحَفِ على الحَقيقةِ، والقرآنُ كلامُ الله، وهو قَديمٌ غيرُ مَخْلوقٍ، لم يَزَلْ الله به متكلِّمًا، ولا يزالُ به قائلًا، ولا يجوزُ انفصالُ القرآنِ عن ذاتِ القَديمِ سُبْحانه، ولا الحُلولُ في المَحالِّ، وكَوْنُ الكَلامِ مكتوبًا على الحَقيقة في أبْوابٍ لا يَقْتَضي حُلولَه فيه، ولا انفصالَه عنَ ذاتِ المُتكلِّم، قال الله تعالى:{النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الأعراف: