١٥٧] فالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- على الحَقيقةِ مكتوبٌ في التَّوْراةِ، فكذلك القرآنُ على الحَقيقةِ مكتوبٌ في المصاحفِ، مَحْفوظٌ في قلوبِ المؤمنين، مَقروءٌ متلوٌّ على الحَقيقةِ بألسنةِ القارئينَ من المُسْلمينَ، كما أنَّ الله على الحقيقةِ لا على المَجاز مَعْبودٌ في مساجِدنا، معلومٌ في قلوبِنا، مذكورٌ بألْسِنَتِنا" (٧٢).
قلتُ: فأفصَح بالمثَل الذي ضَرَبه عن حقيقةِ هذه المَقالةِ، فإنَّ الذي في التَّوْراةِ هو ذكْرُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، لا عَيْنُه، وهذا مِمَّا لا يَشُكُّ فيه أحَدٌ، فالمكتوبُ على الحقيقةِ في التَّوراةِ هو ذكْرُهُ -صلى الله عليه وسلم-، كما أنَّ المذكورَ بالألسنةِ على الحَقيقةِ هو اسْمُه تعالى، فليسَ مُرادُ القَوْمِ أنَّ القرآنَ الذي هو كلامُ الله عندَهم لا النَّظم العَربيّ مكتوبٌ في المصاحِف على الحَقيقةِ، بمَعنى أنَّ عَيْنَ كلامِ الله تعالى مكتوبٌ في المَصاحِفِ، أو عَيْنَ كلامهِ مَحْفوظٌ في الصُّدورِ، أو عَيْنَ كلامهِ مسموعٌ بالآذانِ، وإنَّما كتابةُ ذلك وقراءتُهُ وتلاوتُهُ، وهذه جَميعًا مَعاني مخلوقةٌ عندهم، إذ هي العِباراتُ عن الكلامِ القَديم.
وأفْصَحَ عن ذلك ابنُ فَوْرَك، فقال: "كلامُ الله تعالى مَحْفوظٌ في القلوب، متلوٌّ بالألسنةِ، مكتوبٌ في المصاحِفِ، كما أنَّ الله جلَّ ذكرُه مذكورٌ بالألسنةِ، معبودٌ بالجَوارح، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ في شَيْءٍ من ذلك حالًّا، ومثلُ هذا قولُهُ تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}[البقرة: ٩٣] والمُرادُ حُبُّ العِجْل، لأنَّ العِجْل لم يَحُلّ في قلوبهم، واعلم أنَّا لا نأبى أنَّ كلام الله تعالى مَحْفوظٌ على الحَقيقةِ بحِفْظٍ في القلوب، مَكتوبٌ على الحَقيقةِ في المَصاحف كتابةً حالّةً فيها، متلوٌّ بالألسنةِ بتِلاوةٍ فيها، مسموعٌ