للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الأسماعِ، غيرُ حالٍّ في شَيْءٍ مِنْ هذه المخلوقات، ولا نُجاوِز" (٧٣).

وقالَ عبدُ القاهر: "ونقولُ: كلامُ الله في المُصْحَفِ مكتوبٌ، وفي القَلْبِ مَحْفوظٌ، وباللِّسانِ مَتلوٌّ، ولا يقال: إنه في المَصاحفِ مُطْلقًا، ولا نقولُ على الإِطلاق: إنَّ كلامَ الله سُبْحانَه في مَحَلٍّ، ولكن نقولُ على التَّقييدِ: إنَّه مكتوبٌ في المَصاحفِ" (٧٤).

فهذا صَريحٌ منهم أنَّ ما بين الدَّفَّتَيْن كتابةُ كلام الله التي هيَ الألفاظُ العربيةُ، لا كلامُ الله، وما قد شرَحناه عنهم فيما مضى كافٍ في توضيح هذا المُرادِ، ورَفْع الإِشكال الوارد بسَبَبهِ.

وقد ذكرَ شيخُ الإِسلام أنَّهم غَلَطوا في التَّمْثيلِ الذي ذكَروهُ غَلَطَيْنِ: غَلَطًا في تَصْويرِ مَذْهَبِهم، وغَلَطًا في الشَّريعةِ.

قالَ رحمه الله: "أمَّا الغَلَطُ في تَصْوير مذْهَبِهم، فكانَ الواجبُ أنْ يقولوا: إنَّ القرآنَ في المُصْحَفِ مثْل ما إنَّ العلمَ والمَعانيَ في الوَرَق، فكما يُقال: العِلْمُ في هذا الكتابِ، يقال: الكلامُ في هذا الكتابِ، لأنَّ الكلامَ عندَهم هو المعنى القائمُ بالذَّاتِ، فيصوَّر له المَثَلُ بالعِلْم الَقائم بالذَّاتِ، لا بالذاتِ نفسِها.

وأمَّا الغَلَطُ في الشَّريعة، فيقال لهم: إنَّ القرآنَ في المصاحفِ مِثْلما أنَّ اسمَ الله في المَصاحف، فإنَّ القُرآنَ كلامٌ، فهو محفوظٌ بالقُلوبِ، كما يُحْفظ الكلامُ بالقلوبِ، وهو مذكورٌ بالألسنةِ كما يُذْكَرُ الكلامُ بالألسنَةِ، وهو


(٧٣) "مشكل الحديث" ص: ١٣٠.
(٧٤) "أصول الدين" ص: ١٠٨.

<<  <   >  >>