للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يخرُجْ بذلكَ عن أنْ يكونَ كلامَ الله تعالى حقيقةً، فإنَّ الكلام إنَّما يُضافُ إلى مَن قالَه مبتدئاً، لا إلى مَن قالَهُ مُبَلَّغاً مُؤدَّياً، وهو كلامُ الله: حروفهُ ومعانيه، ليسَ كلامُ الله الحُروفَ دونَ المَعاني، ولا المَعانيَ دونَ الحُروفِ" (٧٧).

وقال الإِمام ابنُ قُتَيْبة: "والقرآنُ لا يقومُ بنفسهِ وحدَه، وإنَّما يقومُ بواحدةٍ من أرْبَع: كتابةٍ، أو قراءةٍ، أو حفظٍ، أو استماعٍ، فهو بالعَمَل في الكتابةِ قائمً، والعَملُ خَطٌّ وهو مَخلوقٌ، والمَكتوبُ قرآنٌ وهو غيرُ مَخلوقٍ، وهو بالعَمَل في القراءةِ قائمٌ، والعَمَلُ تَحريكٌ للًّسانِ واللَّهواتِ بالقرآنِ وهو مخلوقٌ، والمَقروءُ قُرآنً وهو غيرُ مخلوقٍ، وهو بحِفْظِ القَلْب قائمٌ، والحِفْظُ عَمَلٌ وهو مخلوقٌ، والمَحفوظُ قرآنٌ وهو غيرُ مَخلوقٍ، وهو بالاستماعِ قائِمٌ في السَّمْعِ، والاستماعُ عَمَلٌ وهو مَخلوقٌ، والمَسموعُ قرآنٌ وهو غيرُ مخلوقٍ" (٧٨).

وقال الحافظُ الذَّهَبيُّ: "إنَّك تَنْقلُ من المصْحَفِ مئةَ مصحَفٍ، وذاك الأوَّلُ لا يتحوَّلُ في نفسهِ ولا يتغيَّرُ، وتُلَقِّنُ القرآنَ ألفَ نفْسٍ، وما في صَدْرِكَ باقٍ بهَيئتِهِ لا يقصلُ عنكَ ولا يغيّرُ، وذاك لأنَّ المَكتوبَ واحدٌ، والكِتابةَ تعدَّدتْ، والذي في صَدْرِكَ واحدٌ وما في صُدورِ المقرئينَ هو عيْنُ ما في صَدْرِك سواءٌ، والمتلوُّ وإنْ تعدَّدَ التالونَ به واحدٌ، مَعَ كونهِ سوراً وآياتٍ وأجزاءً متعدَّدةٌ، وهو كلامُ الله ووحيُه وتنزيلُه وإنشاؤُهُ، ليسَ هُوَ بكلامِنا أصْلاً، نَعَمْ، وتكلُّمنا بهِ وتلاوتُنا له وَنُطْقُنا به مِن أفعالِنا، وكذلكَ كتابَتُنا لَهُ


(٧٧) "الواسطية" - "مجموع الفتاوى" ٣/ ١٤٤.
(٧٨) "الاختلاف في اللفظ" ص: ٢٤٨ - ٢٤٩ - "عقائد السلف".

<<  <   >  >>