للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصواتُنا بهِ من أفْعالِنا، قالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] ... " (٧٩).

وقال: "فالمُقرىءُ يُلَقِّنُ الختمةَ مئةَ نَفْسٍ ومِئَتَيْن فَيَحْفَظُونَه، وهو لا يَنْفصِلُ عنه منه شَيْءٌ، كسِراجٍ أوقدتَ منه سُرُجاً ولم يتغيَّر" (٨٠).

وذكَرَ شيخُ الإِسلام رحمه الله اعتقادهم هذا الذي ذكَرْنا، وقال: "بَل كلامُ المخلوقينَ يُكْتَبُ في الأَّوراقِ وهو لم يُفارِقْ ذواتهم، فكيفَ لا يُعْقَل مثلُ هذا في كلام الله تعالى" (٨١).

فتفسيرُ القوْم للحُلولِ في المصْحَف على ما ذكَرْنا وإنكارُهم له باطلٌ، مَبْنيٌّ على أصلهم في نَفْي أنْ يكونَ ما بَيْنَ دَفَّتَي المصْحَف كلامَ الله على الحقيقةِ, لأنَّ هذا محصورٌ محدودٌ، وكلامَ الله لا نهايةَ له، وهو معنى واحدٌ، وهذا تلبيسٌ قد كشَفناه بفَضْل الله تعالى ومنّته.

وأمَّا إطلاقُ اللَّفْظ: إنَّ كلام الله حالٌّ في المُصْحف، فليسَ مِمَّا جَرَتْ به ألسنةُ السَّلَفِ والأئمَّةِ، وإنْ كانَ قد ذكره بعضُ المُتأخِّرينَ من أهل السُّنَّةِ، إلاَّ أنَّ مذهب السَّلَف أولي بالاتّباعِ، وإنَّه يُخْشَى مِن الإِطلاقِ ورودُ معاني باطلةٍ، وإنَّما يُكْتفى بالقَوْلِ: إنَّ ما بينَ دَفَّتَي المُصْحفِ كلامُ الله بحُروفهِ ومَعانيهِ، منه بدأ وإليه يعودُ، وهو صِفَتُه، غيرُ بائنٍ منه.

قالَ ابنُ قُتَيْبَة - رحمه الله -: "ولَسْنا نشُكُّ في أنَّ القرآنَ في


(٧٩) " العلوّ" ص: ١٤١.
(٨٠) "العلوّ" ص: ١٢٤.
(٨١) "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٢٧٦.

<<  <   >  >>