للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَصاحفِ على الحَقيقةِ، لا على المَجاز، كما يقولُ أصحابُ الكَلام: إنَّ الذي في المُصْحف دليلٌ على القُرآن وليسَ به، والله تبارَك وتعالى يقول: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٩] والنَّبى -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "لا تُسافِروا بالقُرآن إلى أرضِ العدوّ" (٨٢) يريدُ المُصْحَفَ" (٨٣).

وقد شَرَحْتُ معنى هذا في الباب الأوَّل بما يُزيلُ تلبيسَ الأشعرية ومَن قالَ بقَوْلِهم.

• تعظيم المصحف عند الأشعرية:

اعتقادُ الأشعرية في كَلامِ الله تعالى أنَّه المعنى القائمُ بنفسهِ، وأنَّ هذا لم يَنْزِلْ، وإنَّما نزلَت العبَارةُ عنه، وهذه العبارةُ مخلوقةٌ تَحُلُّ في المَصاحفِ أدَّى بمتأخَّريهم إلى تَهْوين شأنِ المُصْحَف، بل أدَّى بجُهّالِهم إلى الاستهانةِ به، وهذا مِمَّا فاقوا به المعتزلةَ، وشَبهوا به غُلاةَ الجَهميةِ.

وبيانُ ذلكَ: أنَّ تعظيمَه عندَ عُقَلائِهم والقُدَماءِ منهم على وَجْهِ الخُصوصِ، لأجْلِ كونهِ عبارَةً عن الكَلامِ النَّفْسى ودَلالةً عليهِ، فتعظيمُهُ لدَلالتهِ على العظيم.

وبهذا يُفَسِّرونَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُسافروا بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ، فإنّي أخافُ أنْ ينالَه العَدُوُّ" (٨٤).


(٨٢) حديث صحيح، سبق تخريجه ص: ٢٠١.
(٨٣) "مختلف الحديث" ص: ١٣٦.
(٨٤) انظر التعليق (٨٢) المذكور قريباً.

<<  <   >  >>