-وقد أبَنْتُ لكَ عن بُطْلانِ هذا المَذْهب- وقالوا: كلُّ ما تعلَّقَ بالمشيئةِ والقدرةِ فهو مخلوقٌ، فوافق الأشعريةُ المعتزلةَ في شَطْرِ قولِهم، فنفَوْا قيامَ الأفعالِ، وقالوا: هي مخلوقةٌ، وأثْبَتوا قيامَ الصِّفاتِ على تَفصيلٍ ليسَ هذا مَحَلُّه.
والثاني: إنَّ ما تألَّفَ من الحُروفِ والألْفاظ فهو مخلوقٌ عندَ الأشعرية والمعتزلةِ، لكنَّ الأشعريةَ يقولونَ: هو عبارةٌ عن الكَلامِ القَديم، والمعتزلةَ يقولونَ: بل هو كلامُ الله على الحَقيقةِ، إذْ لَمْ يُقرّوا للأشعريَّةِ بقولِهم الذي شرَحْناهُ عنهم في إثباتِ الكَلام النَّفْسي لفَسادهِ.
فرَجَعَ قولُهم إلى الاتّفاقِ على كوْنِ القُرآن العَربيّ مَخلوقاً، وفي قَوْلِ المعتزلةِ من المُوافَقَةِ اللَّفظية للسَّلَف في هذه القضيَّةِ أكثرُ من قَوْلِ الأشعريَّةِ، ذلكَ لأنَّهم سمَّوْهُ كلامَ الله حقيقةً، أمَّا الأشعريَّةُ فتحقيقُ قَوْلِهم أنْ ليسَ لله في الأرضِ كَلامٌ على الحَقيقةِ، ويُطْلِقونَ على القرآنِ كلامَ الله مَجازاً على أرْجَح أقْوالِهم.
قالَ شيخ الإِسلام:"وهذا شرٌّ من قَوْلِ المُعْتزلةِ، وهذا حقيقةُ قَوْلِ الجَهْميَّة"(١٣).
وقد تقرَّرَ أنَّ كلامَ الله تعالى، مَعاني وألفاظٌ يتكلَّمُ بها ربُّنا متى شاءَ، وكما شاءَ، والقرآن العربيُّ كَلامُه، والتَّوراة العِبْريَّةُ كلامه، وكلُّ ذلك على الحَقيقةِ لا على المَجاز، وهو غيرُ مَخلوقٍ كيفَ تصرَّفَ، ولا يَعْرِفُ المُسلمونَ منذُ عَهْد النُّبُوَّةِ قرآناً غيرَ هذا العربيّ، ولا يَعْرِفونَ ما بَيْنَ الدَّفَّتين