للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلاَّ كلام الله على الحَقيقةِ، فنازَعَتْهم المعتزلةُ الجهميةُ في هذا القرآن لا في غيرهِ، فقالَتْ: مخلوقٌ، وقال أهلُ السُّنَّة: كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، ولم يَخْطُرْ ببالِ أحَدٍ قبْلَ ابن كُلاّب -أصْلِ الأشعريَّةِ- أنَّ كلامِ الله هو الكلامُ النَّفْسيُّ وهو غيرُ مَخْلوقٍ، فالأئمةُ ابْتُلوا وحصَلَ البلاءُ للأمَّةِ جميعاً بسبَب هذا القرآنِ العربيّ لا الكلام النَّفسي الذي لم يَدْرِه الناسُ ولم يَعْرِفوهُ، ولقد كانَ أهْوَن عليهم أنْ يقول للناس بقَوْل الجَهْمية في هذا القرآنِ ويُوافِقوهم فيه, لأنَّ عوامَّ المُسْلمينَ لا يعلَمونَ الخِلافَ الواقعَ إلاَّ في هذا القرآن، إذ لا يَعْلَمون قرآناً سِواهُ، ولهذا أيْسَرُ عليهم في المحنةِ من القَتْلِ والتَّعْذيبِ، إذ لا مَحْظورَ فيه عندَ الأشعريَّةِ إلاَّ سدّ بابِ الذريعة، كما قالَه غيرُ واحد من أئمَّتهم.

يقولُ الباجوريُّ الأشعريُّ: "ومعَ كَوْن اللَّفظ الذي نقرؤهُ حادثاً لا يَجوز أنْ يقال: القرآنُ حادثٌ إلاَّ في مَقام التَّعليم, لأنَّه يُطْلَقُ على الصِّفَةِ القائمةِ بذاتهِ أيضاً، لكن مَجازاً على الأرْجَح، فربَّما يُتَوهَّمُ من إطلاقِ أنَّ القرآنَ حادثٌ أنَّ الصِّفةَ القائمةَ بذاته تعالى حادثةٌ، ولذلك ضُرِبَ الإِمامُ أحمدُ بن حنبل وحُبِسَ على أن يقولَ بخَلْقِ القرآن، فلم يَرْضَ" (١٤).

وقالَ أيضاً: "لكن لا يجوزُ أن يُقالَ: القرآنُ حادثٌ، أو كلامُ الله حادثٌ, لأنَّه وإن كانَ المرادُ به هذه الألفاظ، لكن يوهِمُ الصِّفَةَ القديمةَ، ولذلكَ لا يجوزُ أنْ يقالَ: القرآنُ مخلوقٌ، أو كلامُ الله مخلوقٌ، وقد امتُحنَ كثيرٌ من العُلماء على القَوْل بخَلْقِ القرآن" (١٥).


(١٤) "شرح الجوهرة" ص: ٧٢.
(١٥) " حاشية الباجوري على كفاية العوام" ص: ١٠٢.

<<  <   >  >>