للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجرَّدٌ عن الألفاظ، والألفاظ ليسَتْ كلامَ الله على الحقيقةِ، إن كُنتم صادقينَ.

هذا ما نَقْطَعُ بعَجْزِكم عنه، بل إنَّكُم لا تُحبُّونَ الكلامَ فيه خَشْيَةَ الافتضاحِ وبُدُوْ العَوْراتِ، فهذا صاحبكُم الباجوريُّ يقول بمَنْع ذكرِ عقيدتكم لأحدٍ إلاَّ على وجْهِ الشَّرْح والتَّفصيل، ولو قيلَ: على وجهِ التَّلْبيس والتَّضليل لكان ألْيقَ، وإلاَّ فأيّ توحيدٍ هذا الذي يقومُ على الكِتْمان والتَّستُّرِ؟

فأيُّ معنى إذاً خالَفْتُم فيه المعتزلةَ وتتظاهرونَ بالرَّدِّ عليْهم فيه؟

ليسَ لكُم إلاَّ أنَّ المعتزلةَ لا يُثْبتونَ صفةَ الكَلام لله إلاَّ المَخْلوقِ، ولم يَفْصِلوا بين المَخلوقِ والكَلام النَّفَسي القَديم.

وهذا تلبيسٌ قد انكشفَ بفضْلِ الله ومَنَّهِ، والمعتزلةُ خيْرٌ منكم حينَ أبْطَلوا هذا الكلامَ النَّفْسيَّ الذي ابتَدَعْتُموه، على ما هُمْ فيه من البِدْعَة والشَّرِّ، وأنتُمْ حَسِبْتم أنَّكُم وافَقْتُم السَّلَفَ والأئمَّةَ في إثباتِ صفة الكَلامِ، والسَّلَفُ لا يَعرفونَ كلامَ الله تعالى على تفسيركم، بل لا يَعرفونَ كلامَ الله إلاَّ الذي ادَّعَت المعتزلةُ الجَهميَّةُ أنَّه مخلوقٌ، وقوْلُ الجَهمية هذا هو قولُكم.

فالسَّلَف وأهلُ السُّنَّة بَراءٌ من اعتقادِكم.

وبهذا فإنِّي أحْسَبُكَ قَدْ فَهِمْتَ وجْهَ التَّوافُق بين قولَي المعتزلةِ والأشعريَّهِ، وأنَّه في الحقيقةِ قوْلٌ واحدٌ، لكن المعتزلةَ أتَوْا به صَريحاً لا لَبْسَ فيه، وهؤلاء قالوا به بطريقةٍ مُلْتويةٍ مُشَكِّكَة.

<<  <   >  >>