وإنَّما الميزانُ عَرْضُ الآراءِ والأقوالِ والمَذاهبِ على الكتابِ والسُّنَّة وما كان عليه سَلَفُ الأمَّةِ، وهذا لا يَحتاج إلى إيضاحٍ، فإنَّه لا يخفى مثلُه على أهل الإِنْصافِ والإِخلاصِ والاتّباعِ، فما وافَقَ الشَّرْعَ منها قُبِلَ، وما لَم يوافِقْ طُرِحَ ونُبِذَ.
والدَّعوى المجردَّةُ رَخيصةٌ لقائلها، ولم يكن لصاحب بدْعَةٍ في يوم من الدَّهْرِ أن يقولَ: إنِّي مُبْتَدعٌ، أو صاحبُ هَوى، خُصوصًا إذا أرادَ لدائهِ أن يَسْرِي في الناس، فإنَّه يتلقَّبُ بأحسن الألقابِ، ويتسمَّى بأحسَنِ الأسْماءِ.
وكما بَطَلَتْ دَعْوى المعتزلةِ الجهميَّةِ في سالِفِ الزَّمان، بطَلَتْ دَعوى الأشعريةِ والماتُريديةِ عندَ أهل الحَقِّ والسُّنَّة، ولقد شَرَحْنا من ذلك ما فيه الدَّلالةُ القاطعةُ على مخالفةِ الأشعريَّةِ والماتُريديَّةِ لاعتقادِ أهْل السُّنَّة ولمَنْهَج السَّلَف، مع أنِّي تناوَلْتُ اعتقادَهم في مسألة القرآنِ وبعضِ ما يرتبطُ بها لا جَميع المَسائل التي خَرَجوا فيها عن الصِّراطِ المستقيم، فإنَّ لهُم من الاعتقاداتِ الباطلةِ سِوى ما بيَّنتُه شيئاً كثيراً.
وأنتَ أيها الناظرُ في قَوْلي أحَدُ رجُلَين: إمَّا أن تكونَ مُنْصِفاً طالباً للحقّ ابتغاءَ وجهِ الله، وإمَّا أن لا تكونَ كذلكَ، فإنْ كنتَ الأوَّل أدركتَ الحقَّ إن شاء الله وبانَ لك، وإنْ كُنْتَ الثانيَ فلَسْتُ أرجوكَ فلا تُتْعِبْ نفسَك.
ولو عُدْتَ للباب الثاني من كِتابي هذا ونظرْتَ بأدْنى تأمُّل ما أوردتُهُ في اللَّفظيةِ الذينَ جَهَّمَهم الإِمامُ أحمد وغيرُه من الأئمةِ، علمتَ أنَّ ذلك