مُنْصَبٌّ تماماً على الأشعريةِ والماتُريديةِ، بَلْ إنَّ اللَّفظيةَ الأوائلَ الذين أنكَرَ الإِمامُ أحمدُ وغيرُه من أئمَّة السُّنَّةِ مقالَتهم أفْضَلُ من هؤلاء وأقرَبُ إلى الحَقِّ منهم، فإنَّ أولئكَ لم يُحْفَظ عنهم تصريحٌ بأنَّ الله لا يتكلَّمُ بحَرْفٍ ولا صَوْتٍ (١٨)، ولا نَفْيُ تعلُّقِ الكلام بالمَشيئة والقُدْرَةِ، فجاءَ أصْلُ هؤلاء المُبتدعةِ ابنُ كُلاّب، فأدخَلَ على النَّاسِ هذه الأباطيلَ.
وإنِّي ذاكرٌ لكَ بعضَ كلام الأئمَّةِ في إنكارِ قولِ الكُلْابية ومَن وافَقَهم كالأشعرية والماتُريديةِ في كلام الله تعالى، سوى ما سقتُه في الباب الثاني:
١ - الإِمام أحمد بن حنبل:
كانت مقالَةُ ابن كُلاّب غيرَ ظاهرةٍ في عَصْر الإِمام أحمد، سوى القَوْل بخَلْق ألفاظِ القرآن، وقد سبَقَ بيانُ إنكارِ الإِمام أحمدَ ذلكَ أشدَّ الإنكار وتبديعِ مَن قال هذه المقالةَ، بل تكفيرِهِ وتجهيمهِ.
ومع ذلك فَقَدْ عَلِمَ الِإمامُ أحمدُ بابن كُلاّب، وأنَّه من اللَّفْظيةِ القائلينَ: ألفاظُنا بالقرآنِ مَخلوقةٌ، فأنكَر بدعته، وشدَّدَ على أصحابهِ، مثل الحارثِ المُحاسبيّ، بسَبب ذلك.
وقَدْ سأل بعضُ مَن كانَ يَميلُ إلى قَوْلِ ابن كُلّاب الامامَ أبا بكر بن خُزَيمة، فقال: ما الذي أنْكَرْتَ من مذاهِبنا أيُّها الإِمام حتى نرْجِعَ عنه؟ قال: "ميلَكم إلى مذْهَب الكُلّابية، فقد كانَ أحمدُ بن حنبل مِن أشدِّ النَّاس على عبد الله بن سَعيد (يعني ابنَ كُلّاب) وعلى أصحابهِ، مثل الحارث،