وحين يخبر مخبرٌ فيقول:"تكلّمَ زيدٌ بكذا" أو "قالَ زيدٌ كذا وكذا" يتصوّر السامع أن لسانَ زيد تلفّظ بألفاظٍ دلّت على معنى كان قائماً في نفس زيد، لا يفهم السامع أن زيداً أضمرَ في نفسه معنى مجرَّداً، بل لو لم يكن زيد تلفّظ بلسانه بما أضمر في نفسه كان المُخبِر كاذباً في إخباره: أن زيداً تكلّم.
وأيضاً، فإن السامع لا يفهم أن زيداً هذى هذياناً ليس له معنى فسمّاه المخبِرُ كلاماً، أو قولاً، وإنما يفهم أنه تكلمَ بكلام، وقال بقولٍ، مؤلَّف من الحروف التي هي الألفاظ المشتملة على المعاني.
ولا يُعقل بحال كلامٌ مجردٌ عن المعنى، أو مجرّدٌ عن اللفظ، إلاَّ بقرينة تقيّده بأحد الحالين.
فباتَ بهذا أن "الكلامَ" و"القول" إنما يُطلقان على ما كان لفظاً ومعنًى، لا لفظاً مجرداً، ولا معنًى مجرداً.
وأنبّه على أن القولَ يفارق الكلامَ من حيث وقوع المجاز فيه بأوسع من وقوعه في الكلام (٢)، لكنَّ هذا غيرُ مراد فيما ذكرناه, لأن ما حقّقناه إنما هو حقيقة اللفظين لا مجازهما.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله: "وعامّة ما يوجد في الكتاب والسُّنَّةِ وكلام السَّلفِ والأئمة، بل وسائِرِ الأمم عربِهم وعجمِهم من لفظ: الكلام، والقول، وهذا كلام فلان، أو كلام فلان، فإنَّه عند إطلاقه يتناول اللفظ