بل تضمَّن قولهُم:"نُمِرُّها كما جاءَت" إثباتَها على الحقيقة، فإنَّ الأصلَ في الإطلاق الحقيقةُ، فالعلمُ صفةٌ على الحقيقة، والقدرةُ صفةٌ على الحقيقةِ، واليَدُ صفةٌ على الحقيقة، مع أنَّ لكل صفةٍ معنى غير معنى الأخرى، تَعْرِفُ ذلك العربُ من لغاتِها.
ومن تأمَّلَ جوابَ الِإمام مالك بن أنس رحمه الله لِمَنْ سألَه عن كيفيَّةِ الاستواءِ على العَرْشِ، فقال:"الكَيْفُ غيرُ مَعلومٍ، والاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤال عنه بدعةٌ" تبيّنت له عدّةُ أمورٍ:
الأول: كيفيةُ الصفات مجهولةٌ للعباد.
والثاني: معاني الصفاتِ معلومةٌ من لسان العرب ولُغتها.
والثالث: الإِيمانُ بالصفة كما أخبر الله بها مع الجَهْلِ بكيفيَّتها والعلم بمَعناها واجبٌ, لأنَّه داخلٌ في عمومِ الإِيمان بالله تعالى.
والرابع: أنَّ الزيادةَ والنقصَ بالسؤالِ والخَوْضَ فيها بدعةٌ مذمومةٌ لم تُعْرَف عند السَّلَفِ، لِما تتضمَّنُ من القول على الله تعالى بغير علم.
ولم يزل الأئمةُ يذكرونَ كلمةَ الإِمام مالكٍ هذه قاعدةً لأهلِ السُّنَّة في سائر صفاتِ الباري تعالى.
قال الإِمام أبو عثمانَ الصابونيُّ رحمه الله فيما حكاه من اعتقادِ السَّلَفِ: "وَيَعْرِفونَ ربَّهم عَزَّ وَجَلَّ بصفاتِهِ التي نطقَ بها وحيُهُ وتنزيلُهُ، أو شَهِدَ له بها رسولُه -صلى الله عليه وسلم-، على ما ورَدَت الأخبارُ الصحاحُ بهِ، ونقَلَتْهُ العدولُ