للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّصُّ، من غير صَرْف له إلى معنى آخر غير الظاهر.

والدِّعامة الرابعة تضمَّنت أن السَّلَفَ كانوا يعلَمونَ معانيَ الصفاتِ، ويفرّقونَ بينها بحَسَبِ ما دلَّتْ عليه ممّا تعرفُهُ العربُ من لسانِهِا، فالعلمُ غيرُ الحياةِ، والإِتيانُ غيرُ الاستواءِ على العرش، واليَدُ غير الوجهِ، وهكذا سائر الصفات.

وفي هذا إبطالُ قولِ المُلحدينَ في أسماءِ الله وصفاتِهِ في حكايتهم مذهبَ السَّلَف: أنَّهم كانوا مُفوّضةً، ويعنونَ بهذا أنَّهم لم يكونوا يعلَمونَ معانيَ الصِّفاتِ، ولا التَّمييزَ بينها، وأنَّها من المُتشابهِ الذي يَكِلونَ العِلْمَ به إلى الله تعالى، ولهذا معنى قولهم "أمِرُّوها كَما جاءَت".

وهذا القولُ من أفْسَدِ ما يُنْسَبُ إلى السَّلَفِ، وهو من الكذب والبُهْتان والافتراءِ البَيِّن، ذلك لأنَّ الصفاتِ إنَّما تُعَرِّفُ بالمَوصوفِ، فإذا كانَ السَّلَفُ يَجْهَلُونَ مَعانِيَهَا فكيفَ كانوا أعلم من غيرِهم بالله تعالى؟ وبماذا عَرفُوه إذًا؟

إنَّ هذا لمِنْ أسوإ ما يُظَنُّ بهم، وهم خيرُ هذه الأمَّةِ، وفيهم أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين لم يَقْدِرِ الله تعالى أحدٌ قدرَهم.

وإنَّما كان السَّلَفُ أبعَدَ الناس عن الخوضِ فيما لم يُحيطوا به عِلمًا ممّا أخبرَ الله تعالى عنه من الغيبِ، فكما أنَّهم لم يكونوا يحيطونَ بذات الله عِلمًا، لَم يكونوا يحيطونَ بصفاتِهِ علمًا، إذ الكلامُ في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذاتِ، إلاَّ أنَّ صفاتِهِ كانتْ دليلَ المعرفةِ به، ولا تصلحُ أن تكونَ كذلك وهي من المتُشابهِ الذي ليسَ للعبادِ أن يعلَموا حقيقَتَه، وإنَّما كانَتْ معلومةَ المَعاني عندَهم، مجهولةَ الكَيْفِ، كما أنَّ ذاتَه تعالى معلومةٌ عندهم بصفاتِهِ، مجهولةُ الكَيْفِ، ولهذا معنى إمرار الصفات كما جاءت.

<<  <   >  >>